قُتل البغدادي.. فهل انتهى «داعش»؟

03:28 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. أحمد سيد أحمد *

في عملية نوعية مهمة، قامت قوات أمريكية خاصة، بقتل زعيم تنظيم «داعش» الإرهابي أبوبكر البغدادي، فجر الأحد السابع والعشرين من أكتوبر، وهو ما يشكل مرحلة جديدة في تنظيم «داعش» الإرهابي.
على غرار إعلان الرئيس بوش الابن عن مقتل زعيم القاعدة في العراق أبو مصعب الزرقاوي في عام 2003، وإعلان الرئيس أوباما عن مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في 2011، قام الرئيس ترامب بإعلان مقتل البغدادي في مؤتمر صحفي في محاولة لتوظيف الحدث سياسياً، لدعم موقفه الانتخابي في مواجهة ضغوط الديمقراطيين المتصاعدة، ومحاولتهم محاسبة ترامب، تمهيداً لعزله في ضوء اتهامه بتشويه صورة المرشح الديمقراطي جون بايدن.
مقتل البغدادي يطوي صفحة مهمة في تاريخ تنظيم «داعش» الإرهابي، الذي أسسه وأعلن في عام 2014 من على منبر مسجد النوري الكبير في مدينة الموصل، دولة الخلافة الإسلامية في العراق والشام، فبعد أن وصل التنظيم لذروته في عام 2014 وسيطرته على أكثر من نصف مساحة سوريا والعراق، وإعلان خلافته الإسلامية المزعومة وتطبيق قوانينه الخاصة به، بما فيها إصدار عملة وجواز سفر خاص بتلك الخلافة وقوانين لتنظيم العمل والتحرك فيها، ووصل الأمر إلى تصدير النفط في سوريا والعراق في الأماكن التي يسيطر عليها وبيعه للخارج عبر التهريب، بعد هذا الصعود والانتشار على الأرض تعرض التنظيم لضربات موجعة وهزائم متتالية في العراق أولاً بعد اندحاره من معظم المدن والقرى العراقية، التي سيطر عليها، وأبرزها مدينة الموصل ثاني أكبر المدن العراقية، بعد عمليات مشتركة من جانب قوات الأمن العراقية، خاصة قوات النخبة وقوات مكافحة الإرهاب ومشاركة قوات الحشد الشعبي، وبدعم من قوات التحالف الدولي ضد «داعش»، التي تقودها الولايات المتحدة، ثم ثانياً تعرض التنظيم لهزائم ساحقة في سوريا، خاصة في محافظة دير الزور، وسقوط مدينة الرقة، التي اتخذها عاصمة لخلافته، وذلك على أيدي الجيش السوري و«قوات سوريا الديمقراطية»، وبدعم من قوات التحالف الدولي، التي قامت بغارات جوية لضرب أهداف التنظيم وبنيته الأساسية.

حرب عصابات

وبحلول عام 2018 كان تنظيم «داعش» الإرهابي قد فقد معظم الأراضي، التي كان يسيطر عليها في العراق وسوريا، وتم قتل معظم قادته وفرار العديد من عناصره، خاصة من المقاتلين الأجانب، وفي مارس 2019 تم إعلان القضاء على التنظيم كمؤسسة على الأرض، بعد تحرير كل الأراضي التي كان يسيطر عليها، ليتحول التنظيم إلى خلايا نائمة ومنتشرة في بعض مناطق العراق وسوريا، ويلجأ إلى أسلوبه المعتاد في حرب العصابات، والقيام بعمليات انتحارية متكررة، كما حدث في كركوك والموصل وبغداد، واستخدام السيارات المفخخة في محاولة لإثبات أنه ما زال موجوداً وقادراً على القيام بعملياته العسكرية والانتحارية، لكن بشكل عام تراجع التنظيم في بداية 2019 ومقتل العديد من عناصره، بينما تم اعتقال أكثر من 12 ألف مقاتل من التنظيم من جنسيات مختلفة في معسكرات اعتقال، ووجود أكثر من 60 ألف عنصر من أهالي عناصر التنظيم من النساء والأطفال في مخيمات مثل مخيم عين عيسى، خاضعة تحت سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية».
وقد ظل زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي هاربا في صحراء البادية السورية، التي انتقل إليها بعد سقوط الموصل في 2018، ورغم الإعلان عن مقتله أكثر من مرة، إلا أن البغدادي كان يخرج بعدها في فيديو مصور لأتباعه، لكن في هذه المرة قتل البغدادي، بعد عملية استخباراتية استغرقت عدة شهور، شاركت فيها «قوات سوريا الديمقراطية» والمخابرات العراقية، وبتسهيل من تركيا وروسيا وقامت قوة خاصة أمريكية، من قوات «دلتا فورس»، بمحاصرة المجمع الذي كان يقيم فيه البغدادي في قرية باريشا، قرب الحدود السورية- التركية، وقام البغدادي بتفجير نفسه بسترة ناسفة كان يرتديها أدت لمقتله ومقتل اثنين من زوجاته، وعدد من مرافقيه، وحارسه الشخصي، ليعلن الرئيس ترامب في مؤتمر صحفي عالمي مقتل البغدادي بشكل رسمي.

تداعيات مقتل البغدادي

ولا شك أن مصرع البغدادي، يعد ضربة قاصمة لتنظيم «داعش» الإرهابي، كما حدث لتنظيم القاعدة، بعد مقتل بن لادن، من شأنه أن يؤثر بشكل كبير في مستقبل التنظيم، ويحمل العديد من التداعيات:
* أولاً: عانى تنظيم «داعش» من ضربات عديدة أدت لمقتل الآلاف من عناصره، وكذلك معظم قادته الفرعيين وهروب الآلاف واعتقال الآلاف أيضا، ولم يعد للتنظيم وجود سوى عبر خلايا نائمة انقطعت شبكة الاتصالات فيما بينها، ويقوم بعضها بعمليات انفرادية، ولم يعد البغدادي قبل مقتله يسيطر عمليا على التنظيم، وبالتالي شكل قتله صدمة كبيرة لأتباعه، ستؤثر بشكل سلبي فيما تبقى من عناصر التنظيم معنويا ولوجيستيا وأيديولوجيا، خاصة أن البغدادي كان العمود الفقري للتنظيم، ولم يكن هناك خليفة أو بديل له، يمكن أن يقود التنظيم أو يجمع صفوفه بعد مصرعه.
* ثانياً: في المقابل فإن مقتل البغدادي لا يعني انتهاء التنظيم تماما أو انتهاء خطره، بل ستظل هناك بعض الخلايا النائمة، التي تقوم ببعض العمليات الإرهابية هنا أو هناك، وفق ما تتيحه الظروف في سوريا والعراق، والتي قد يستغلها التنظيم لتنظيم صفوفه أو القيام بعمليات إرهابية. وقد يسعى التنظيم لمبايعة شخص آخر ليخلف البغدادي على غرار أيمن الظواهري، الذي خلف بن لادن، كما قد يتحول التنظيم إلى شكل آخر بقيادة مختلفة وبأيديولوجية ومسمى مختلف، وقد يتجه إلى تنشيط صفوفه في بعض الأماكن الرخوة في مناطق الصراعات في إفريقيا مثل ليبيا ومنطقة الصحراء الكبرى.
* ثالثاً: إن مقتل البغدادي من شأنه أن يؤثر في أعمال التحالف الدولي لمحاربة التنظيم، الذي تقوده الولايات المتحدة، خاصة بعد قرار الرئيس ترامب بسحب معظم القوات الأمريكية من شمال شرقي سوريا، والإبقاء فقط على بعض القوات الأمريكية في جنوب سوريا في قاعدة «التنف»، على الحدود مع الأردن والعراق، وبعض القوات تحت ذريعة ما يسميه حماية آبار النفط السورية من «داعش»، حيث سيسعى ترامب لتوظيف مقتل البغدادي لدعم موقفه الانتخابي، وتبرير سحب قواته، والظهور بأنه نجح في القضاء على تنظيم «داعش» وقتل زعيمه.
*رابعاً: في كل الأحوال، إن مقتل البغدادي خطوة مهمة في مواجهة تنظيم «داعش» الإرهابي، لكن استئصال خطر التنظيم والقضاء عليه تماما يتطلب إزالة الأسباب والبيئة التي أدت إلى ظهور وصعود التنظيم، وأبرزها إنهاء كل أشكال الطائفية والصراع في العراق وسوريا، وتدعيم مؤسسات الدولة الوطنية في كلا البلدين، وإخراج كل القوات الأجنبية من سوريا، وإنهاء كل صور التدخل الخارجي، والذي لعب دورا سلبيا في توظيف التنظيم الإرهابي لصالح أجندات بعض الدول، واستغلاله لتبرير تدخلها في الشؤون العراقية والسورية، كذلك تحقيق التنمية وتجفيف بيئة الفقر والتهميش، التي عاناها بعض قطاعات الشعبين العراقي والسوري وتسوية الأزمة السورية سلمياً، في إطار الحفاظ على وحدة واستقلال سوريا، ودون ذلك فإن مقتل البغدادي، لا يعني انتهاء خطر تنظيم «داعش» نهائياً.

* خبير العلاقات الدولية في الأهرام

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"