كورونا والاحتلال.. عبء مضاعف

02:34 صباحا
قراءة 4 دقائق
حلمي موسى

حل وباء كورونا على الفلسطينيين في الأراضي المحتلة ضيفاً ثقيلاً على وجه الخصوص، جراء ما أضافه الاحتلال من عوائق وعراقيل في مواجهته. وعلى الرغم من أن «إسرائيل» تعتبر من وجهة نظر القانون الدولي الجهة المسؤولة عن حماية الفلسطينيين في الأراضي المحتلة من وباء كورونا، فإن حكومة الاحتلال زادت العبء القائم على كاهل السلطة الفلسطينية بأشكال مختلفة. ولا يكفي أنها لا تقوم بواجبها، وفق شرعة الأمم المتحدة، وإنما تعمل على عرقلة المحاولات الفلسطينية في مواجهة هذا الوباء.
كان مقرر الأمم المتحدة الخاص بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مايكل لينك، قد أعلن أن الحكومة «الإسرائيلية»، وبعدها الإدارة الفلسطينية وسلطة «حماس»، تتحمل المسؤولية أمام المجتمع الدولي عن تقديم الخدمات الطبية المناسبة للسكان في مختلف الأراضي الفلسطينية. وأعرب لينك عن قلقه العميق من مخاطر فيروس كورونا المحتملة على قطاع غزة، جراء اقتراب الجهاز الصحي هناك إلى نقطة الانهيار بفعل الحصار قبل الإعلان عن كورونا جائحة عالمية.
واتهم المندوب الفلسطيني لدى الأمم المتحدة في جنيف إبراهيم خريشة، «إسرائيل» بانتهاك المعاهدات الدولية بشأن التعامل في أوقات الكوارث الصحية. وأشار على وجه الخصوص إلى استمرار الاحتلال في الحرمان المنهجي للأسرى الفلسطينيين من الحصول على العلاج الطبي المناسب في مراكز الاعتقال. وأوضح أن استمرار الاقتحامات والغارات «الإسرائيلية» على المناطق الفلسطينية، يعرقل الجهود الفلسطينية لمقاومة الوباء. وتحدث عن حملات الاحتلال ضد العاملين في لجان الطوارئ الفلسطينية التي تم إنشاؤها لمنعهم من أداء مهامهم.

جرائم الاحتلال

واعتبر قادة فلسطينيون إجراءات الاحتلال في المنطقة «ج» مثلاً، التي تشكل حوالي 60% من أراضي الضفة الغربية، خطرة وإجرامية. غير أن أكبر الجرائم كانت تلك التي ارتكبها الاحتلال في القدس ومحيطها ضد الطواقم الطبية ونشاطات مكافحة كورونا الفلسطينية بذريعة أن المنطقة خاضعة للسيادة «الإسرائيلية». وعمدت سلطات الاحتلال إلى عرقلة النشاطات الطبية الفلسطينية في هذه المنطقة وحرمان سكانها من الرعاية الطبية الفلسطينية في مواجهة كورونا. وأرفق الاحتلال عراقيله هذه بأن صعد خلال فترة مكافحة الوباء، من اقتحاماته للمدن والقرى الفلسطينية، كما حدث في قلنديا وكفر عقب، وتل الرميدة، واعتقالاته وقمع اللجان الصحية التي شكلها الفلسطينيون في العديد من البلدات المحيطة بالقدس، وخصوصا في سلوان والعيسوية.
وأعلن مدير مركز معلومات وادي حلوة في سلوان، جواد صيام، أن تعامل وزارة الصحة «الإسرائيلية» وبلدية القدس مع تفشي فيروس كورونا في صفوف المقدسيين «يأتي من منظور سياسي بحت، لتظهر وكأنها صاحبة السيادة، فيما تمتنع عن تحريك أي ساكن لتثبيت الإجراءات الوقائية ونشرها بين الفلسطينيين، وتلاحق أي نشاط ومبادرة للمقدسيين للتحصن والوقاية من الفيروس».
ومعروف أن سلطات الاحتلال التي تسيطر عل القدس ومحيطها، تلكأت في إجراء فحوص في أحياء القدس العربية ولم تتخذ الإجراءات المناسبة، مما زاد عدد الإصابات في هذه الأحياء. وكانت سلوان المهددة بتفشي الوباء أكثر من غيرها، المثال الأبرز على ذلك، بعد أن منعت جمعيات العمل الأهلي الفلسطينية هناك عن القيام بواجبها الوقائي والعلاجي والإغاثي. وعلى الرغم من الإعلان عن حوالي 100 إصابة بكورونا في القدس، فإن عدداً من الخبراء يعتقدون أن الرقم الحقيقي أعلى بكثير، لعدم إجراء فحوص كافية. ولم تقتصر جريمة الاحتلال في عرقلة النشاط الطبي الفلسطيني عند هذه الحدود؛ بل أثقل عليه بطريقة تصرفه مع عشرات ألوف الفلسطينيين العاملين داخل الكيان؛ إذ استغل حاجتهم للمال فسمح ببقائهم للمبيت داخل الخط الأخضر، لكنه عندما كان يشتبه في وقوع لإصابات بينهم كان يلقي بهم من دون علاج عند الحواجز العسكرية. وهذا ما دفع عدداً من الجهات الفلسطينية إلى اتهام الاحتلال بالسعي لنشر الوباء في مناطق السلطة الفلسطينية. وقد أشارت الإحصاءات إلى أن ما لا يقل عن 70% من الإصابات بكورونا في الضفة الغربية كانت بسبب عمال فلسطينيين في مصانع ومنشآت داخل الخط الأخضر.

التنكيل بقطاع غزة

واعتبر رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية مع بداية أزمة كورونا، أن العمالة الفلسطينية داخل الخط الأخضر تمثل «ثغرة» يتسلل عبرها فيروس كورونا إلى مناطق السلطة. وأكد أن تنقل هؤلاء العمال بين مدنهم وقراهم وأماكن عملهم «يشكل ضربة لكل جهودنا التي اتخذناها بشكل مبكر لوقف انتشار الفيروس».
ولم يقتصر التنكيل الصهيوني بالفلسطينيين أثناء مكافحة كورونا على الضفة الغربية؛ بل ازداد حدة أيضاً في قطاع غزة المحاصر. ولم تخف سلطات الاحتلال سعيها لاستغلال الجائحة لفرض اشتراطات على المقاومة في قطاع غزة، من أجل تسهيل استلام مواد ومعدات طبية. وقد صرح وزير الحرب «الإسرائيلي» نفتالي بينت، بذلك علناً ما استدعى موجة من التهديدات من جانب قادة عدد من الفصائل الفلسطينية.
في كل حال من الواضح أن كورونا ألحق أضراراً كبيرة بالمجتمع الفلسطيني مثلما فعل مع العديد من المجتمعات في العالم. ولكن أضرار كورونا كانت مضاعفة لدى الفلسطينيين بسبب اقترانها بوجود الاحتلال وسياساته العنصرية. ومعروف أن الاحتلال يسيطر ليس فقط على الغلاف الحدودي للأراضي المحتلة، وإنما على محاور الطرق داخلها، ويمنع التواصل بين مختلف مدنها وقراها. وأظهر تقرير صادر عن مركز الإحصاء الفلسطيني أن حوالي نصف مليون عامل تضرروا مباشرة من أزمة كورونا، وأن حوالي ثلثي منشئات الإنتاج الفلسطيني توقفت عن العمل.

تكثيف الاستيطان

ويختلف الحال في الأراضي المحتلة عما هو قائم في كل مكان آخر، بسبب أن تنفيذ كل قرار بالعودة إلى العمل والإنتاج وتحريك الاقتصاد لا يعتمد فقط على رغبة الفلسطينيين، وإنما على من يتحكم في مصيرهم ويريد مصالحه. وإذا أخذنا في الحسبان تطلع اليمين الصهيوني إلى ضم غور الأردن، والكتل الاستيطانية، فإنه يستغل من الآن وباء كورونا لتكثيف الاستيطان. وتم خلال أزمة كورونا الإعلان عن إنشاء أربع بؤر استيطانية جديدة لإظهار ألا شيء يمنع مواصلة الاستيطان برعاية أمريكية.
في كل حال من الجلي أن كورونا أضافت للفلسطينيين أعباء جديدة تزيد من الأثقال عليهم، وتجعل مهمة مجابهة الاحتلال أكثر تعقيداً في المرحلة المقبلة. فمعالجة آثار كورونا ستتأثر كثيراً بتراجع الدعم العربي والدولي للسلطة الفلسطينية وانكماش الاقتصاد «الإسرائيلي»، وتنامي معدلات البطالة في الأراضي المحتلة. وواضح أن الاحتلال الذي يمارس سياسة عنصرية علنية لن يجعل حياة الفلسطينيين أيسر، ولن يسهل عليهم العودة إلى ما كان عليه الحال قبل كورونا، إلا بعد أن يحاول فرض شروط ومعادلات جديدة.


[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"