لبنان.. حكومة التحديات

03:31 صباحا
قراءة 5 دقائق
بيروت: رامي كفوري *

بعد 33 يوماً على تكليفه بتشكيل وزارته الأولى أصبح حسان دياب، أمس الأول، أول رئيس للحكومة اللبنانية يأتي من خارج النادي التقليدي، العائلي والسياسي، لرؤساء الحكومات منذ اتفاق الطائف حتى الآن. فقد خرج الدخان الأبيض من القصر الجمهوري اللبناني ليل الثلاثاء المنصرم مع إعلان مراسيم تأليف حكومة دياب من 20 وزيراً (بينهم 6 نساء) جميعهم من فئة التكنوقراط (أصحاب الاختصاص)، على الرغم من أنه تمت تسمية معظمهم من قبل أحزاب قوى الثامن من مارس/آذار، إضافة إلى رئيسي الجمهورية والحكومة..
شهد الوضع في لبنان تدهوراً متدرجاً على جميع المستويات، لاسيما في يومي السبت والأحد المنصرمين؛ إذ تفجرت أحداث جسيمة وسط العاصمة بيروت؛ حيث حصدت المواجهات بين المتظاهرين وقوى الأمن الداخلي أكثر من مئتي إصابة من عناصر مكافحة الشغب ومن المتظاهرين؛ لكن ما لوحظ في هذه الأحداث هو العنف غير المسبوق من قبل المتظاهرين الذين استهدفوا عناصر مكافحة الشغب ليس بالحجارة فحسب؛ بل بالعوائق الحديدية، والمفرقعات النارية، وقنابل «المولوتوف»، وأسلوب الكر والفر، الذي استخدموه باحتراف؛ حيث طاول قلب العاصمة، وأتى فيما أتى - على هامش العنف المستشري - على خيم المعتصمين.

تخريب الوسط التجاري

وقد بدا أن الرئيس سعد الحريري كان الأكثر ألماً، وهو يشهد تخريب الوسط التجاري؛ الوسط الذي بناه والده رفيق الحريري عبر «شركة سوليدير» التي أُوكل إليها أمر إعماره وإدارته؛ ولذلك أوعز إلى وزيرة الداخلية ريا الحسن، ومدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان بإبعاد خطر «الغزوة»، باعتبار أن المحتجين جاؤوا بأغلبيتهم من خارج بيروت، خاصة من محافظتي الشمال، ومن طرابلس وعكار تحديداً، ومن منطقة البقاع، وتحديداً من البقاع الأوسط، ومنعها أي (الغزوة) من تحقيق أغراضها. وعندما اشتد الضغط على قوات مكافحة الشغب، تمت الاستعانة بالجيش اللبناني، وقد مهد لذلك رئيس الجمهورية العماد ميشال عون؛ من خلال اتصالات أجراها مع وزيري الدفاع والداخلية وقائد الجيش ومدير عام قوى الأمن الداخلي؛ بهدف إعادة النظام؛ ووقف الاعتداء على الأملاك العامة والمؤسسات الخاصة؛ وقمع المشاغبين.
وقد اعتبر مصدر سياسي رفيع المستوى، ومتابع بدقة: أن ما حصل خلال يومي السبت والأحد الماضيين، يعود إلى عدم تشكيل الحكومة؛ وهو تبسيط للأحداث والتطورات، فما وقع هو «سيناريو» مكرر ل«سيناريوهات» مشابهة حصلت تباعاً منذ قيام الانتفاضة في 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وقال المصدر: لقد طالب المنتفضون الحكومة بالاستقالة، فاستقالت، ولم تخل الشوارع من المعترضين. ثم طالبوا بإقرار رزمة من الإصلاحات؛ حيث منعوا المجلس النيابي من الانعقاد. طُرح غير اسم لخلافة الحريري، فكان تحرك الشارع ل«تطفيش» من وقع عليه الخيار، وضغط المتظاهرون لتسمية رئيس جديد، بعدما أُحرقت أوراق محمد الصفدي، وبهيج طباره وسمير الخطيب، فتمت تسمية حسان دياب، الذي اتسم بسلوكه المتشدد، والتزامه بالمعايير التي حددها شرطاً لتأليف الحكومة.
وأضاف المصدر: إن «الغزوة» التي حدثت في اليومين الماضيين، جاءت في الوقت الذي كانت فيه الاتصالات منصبة على تدوير الزوايا، وفكفكة ما تبقى من عقد، وتذليلها على طريق تأليف الحكومة؛ وهي برزت في الساعات الأخيرة قبل ولادتها، وربما تكون غير بريئة.
وإذ رفض هذا المصدر الإشارة إلى الجهة التي وقفت وراء العقد الطارئة؛ حيث قال: «إن هناك أموراً كانت غير مفهومة من الناس؛ أولها أن الفريق الواحد الذي تشكلت منه الحكومة العتيدة بدا غارقاً في خلافاته حول أمور ثانوية؛ إذ كيف لفريق يضم خمسة نواب أن يطالب بحصة من وزيرين في حكومة من 18، وهو ما كان يتمثل بوزير واحد في حكومة ثلاثينية، ومن هو الذي وراء أحد الأحزاب في مطالبته بوزير؟ ومن الذي دفع بالمعنيين بالحصة الدرزية إلى الاعتراض؟ وأردف المصدر: «ثمة من كان لا يقدر دقة الأحوال في فريق الأكثرية، ولا الإحراج الذي يتسبب به لنفسه، والضرر الذي يلحقه بالبلد؛ إذ إن الاستمرار في الكر والفر السياسي أعطى المعترضين، سواء كانوا من الحراك المطلبي الوطني، أو من حاملي «الأجندات» المختلفة، الحجة للبقاء في الشارع، وتصعيد الضغط، وليس من مبرر لاستمرار هذا الوضع».

الحكومة الجديدة

هل الحل بالحكومة الجديدة؟ تسأل مصادر أخرى متابعة، وتسارع إلى الإعراب عن اعتقادها بأن حكومة «التكنوقراط» الوليدة لن تكون قادرة على الإحاطة بالمشكلات الكبيرة، والملفات الشائكة، وهي وإن ضمت شخصيات تحظى برضا القوى السياسية التي رشحتها أو زكتها، فإن تعاطي هذه القوى معها سيكون على ما يقول المثل اللبناني العامي: «بحبك يا أسواري، قد زندي لا!!» وتضيف المصادر: إن الحكومة الجديدة ستحاول إيجاد الحلول لملفات شائكة ومعقدة، وإعادة التوازن إلى السوق المالية، ومحاولة إطلاق العجلة الاقتصادية، وتحقيق بعض الإصلاحات؛ لكن ثمة تطورات دولية وإقليمية قد تعوق حركتها، وتفرمل اندفاعتها، وتجعل منها أقرب إلى حكومة «تصريف الأعمال» منها إلى حكومة كاملة الصفات والمواصفات.
كما تتوقع هذه المصادر ألا توقف حكومة دياب موجة الاحتجاجات الشعبية؛ لأن المطلوب في هذه المرحلة أن يظل لبنان على صفيح ساخن؛ بحيث يمنع من السقوط ويحرم عليه في الوقت ذاته النهوض؛ لأن شيئاً ما سيحدث في الإقليم، وفي ضوء نتائج هذا الحدث؛ تتحدد أبعاد المرحلة المقبلة فيه على كل المستويات.
ووفق هذا التوقع؛ تشير المصادر إلى أن جهات سياسية ستعمد إلى تصعيد التحركات على الأرض، وإلى قطع الطرق على الرغم من تشكيل الحكومة، لأن الفارق هذه المرة؛ هو في أن المواجهة ستكون مع حكومة فعلية، وليس حكومة تصريف أعمال.
وفي مقابل تلك التوقعات الآنفة الذكر، يرد مراقبون بالقول: إنه إذا كان ثمة من يريد المضي في المواجهة على الرغم من تشكيل الحكومة، وأن يقوم بعرقلتها، فهؤلاء ينطبق عليهم ما قاله البطريرك الماروني: «إنكم تتحملون مسؤولية الخزي والعار لما حصل في الحمرا وفي بيروت» ويقول مقربون من مرجع برلماني: إن المشهد المأساوي الذي كانت بيروت مسرحاً له مؤخراً، ساهم بتسريع تشكيل الحكومة، وزاد الاندفاعة نحو تذليل العقبات في وجهها؛ لأن الوضع لا يحتمل ترف الانتظار.

جهود أمنية

ومما تجدر الإشارة إليه أنه بالتوازي مع الجهود السياسية، التي أفرزت الحكومة الجديدة، تقوم القوى الأمنية بجهود حثيثة؛ للمحافظة على الأمن والاستقرار والسلم الأهلي. وفي هذا السياق رفضت الهيئات السياسية والفاعليات الطرابلسية ما ألصق بأبناء الفيحاء، وأعلنوا إدانتهم لما ألصق بأبناء طرابلس من اتهامات وتحميلهم مسؤولية «غزوة العاصمة». كذلك لم تكن زيارة قائد الجيش العماد ميشال عون يوم الأحد الفائت إلى غرفة عمليات قوى الأمن الداخلي دون مغزى؛ إذ إنها رسالة موجهة لمن يعنيهم الأمر بأن وحدة القوى العسكرية والأمنية لا جدال فيها، وأن المحافظة على الاستقرار والأمن والسلم الأهلي خط أحمر، وأن الطرفين جبهة واحدة في الدفاع عن العاصمة، ومنعها من الوقوع في الفوضى.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"