لبنان ينتظر هدية العيد

02:09 صباحا
قراءة 5 دقائق
بيروت: رامي كفوري

لم يكن اسم الدكتور حسان دياب متداولاً على الساحة السياسية اللبنانية كأحد المرشحين لتشكيل الكومة خلفاً لسعد الحريري. طرح اسمه لأول مرة رئيس الجامعة الأمريكية في بيروت فضلو خوري لدى زيارته القصر الجمهوري في بعبدا، ولقائه الرئيس ميشال عون، في حضور رئيس جامعة القديس يوسف الأب سليم دكاش، على اعتبار أنه مقبول من الحراك، وأنه من الأخصائيين الذين يتحصنون بالكفاءة ونظافة الكف في آن واحد.
جاء تكليف دياب بعد احتراق أوراق الوزيرين السابقين محمد الصفدي وبهيج طباره، والمهندس سمير الخطيب، خلال لعبة المناورة المفتوحة بين أطراف السلطة السياسية، وبعد سقوط اسم السفير نواف سلام في التداول السياسي، قبل 24 ساعة من وصول مساعد وزير الخارجية الأمريكية ديفيد هيل إلى لبنان، وسط أنباء سرت أن السفير سلام هو مرشح واشنطن.
دياب ليس طارئاً على الحياة السياسية في لبنان، وهو ولجها وزيراً في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في عام 2011 من بوابة «التكنوقراط»، وتولى وزارة التربية، ولم يسجل أنه تعاطى السياسة بالمعنى «اللبناني» للسياسة. أي أنه لم يكن ناشطاً سياسياً ولا مفتاحاً انتخابياً، ولم ينتم يوماً إلى حزب، إنما جاء به الرئيس ميقاتي إلى حكومته، وفي نيته تطعيمها بوجوه شبابية سنية غير نافرة؛ لامتصاص نقمة «تيار المستقبل» الذي اعتبر تلك الحكومة تبرز لوناً واحداً، وتمثل فريقاً سياسياً واحداً.

تحريك الشارع

لكن الدكتور دياب نائب رئيس الجامعة الأمريكية في بيروت، وأحد أساتذتها، ومؤسس الجامعة التي تحمل الاسم نفسه في سلطنة عُمان، سرعان ما تلقى سهام الاتهام ممن تبقى من فريق الرابع عشر من آذار، ومناصري «تيار المستقبل»، بأنه مرشح فريق الثامن من آذار، ولاسيما «الثنائي الشيعي» في محاولة لحشد أوسع استنفار ضد تكليفه؛ بغية منعه من تشكيل الحكومة.
وقد راهن الذين صوبوا على الرئيس المكلف أن ثمة دعماً دولياً وعربياً سيواكب حركتهم الافتراضية ضد تسمية دياب، وأن هذه التسمية والتكليف سيقابلان بمزيد من ضغط أمريكي-أوروبي يبلغ حافة التهديد بمزيد من الحصار على لبنان في مختلف المجالات قد يصل به إلى الانهيار الشامل والتام، وبموازاة ذلك كان تحريك كبير للشارع في المناطق الإسلامية؛ رفضاً لدياب وتكليفه، وهو تحريك نفض يديه منه الرئيس سعد الحريري، خصوصاً بعدما وصل إلى مشارف الفتنة المذهبية على طريق بيروت-الجنوب، وبيروت - البقاع والعكس. وهو ما وضع قيادة الجيش وسائر القوى الأمنية في موقف حرج وخطر، إلاّ أن الشعور بالمسؤولية قد دفع أئمة المساجد، والسياسيين كافة، لا سيما قيادة «تيار المستقبل» إلى التدخل؛ لوأد فتنة بدأت تطل برأسها على إيقاع الحزازات والحساسيات.

عزوف الحريري

وفي هذا السياق لابُدّ من الإشارة إلى أن غياب مواقف دولية وعربية ومحلية تدعم بوضوح تكليف الرئيس الحريري دفع به إلى خطوتين متلازمين:
الأولى: عزوفه عن ترشيح نفسه للرئاسة الثالثة.
الثانية: عدم تسميته السفير نواف سلام، المحسوب على الإدارة الأمريكية بحسب المداولات الإعلامية، وتأييده من بعض القوى في الداخل.
كما أن موقف «القوات اللبنانية» التي امتنعت عن تسميته، نزع عنه الغطاء المسيحي الوازن؛ إثر رفض «التيار الوطني الحر» عودته إلى السراي الحكومي، وكان هذا الموقف ثالثة الأثافي، والسبب في اتخاذ قراره الصعب، وتجرع الكأس المرة.
على أن المفاجأة بحسب مصادر مواكبة لتأليف الحكومة العتيدة أن زيارة المسؤول الأمريكي إلى بيروت ديفيد هيل، التي عول عليها كثيراً فريق «الرابع عشر من آذار» لقلب الطاولة على العهد، والتي «شيطنها» فريق «الثامن من آذار» وحذر من نتائجها «الكارثية» على استقرار البلاد، خيبت توقعات الفريقين معاً، فالزائر الأمريكي- كما تقول مصادر القصر الجمهوري - هنأ الرئيس عون بتكليف رئيس جديد للحكومة، ودعا إلى التركيز على الإصلاح؛ لاستئصال الفساد عبر حكومة تعيد ثقة الناس بالدولة، مشيداً بالدكتور حسان دياب الذي سبق أن تعرف إليه، وكانت بينهما لقاءات عدة، أتاحت له أن يكوّن انطباعاً جيداً عنه. وفي هذا السياق أيضاً جاء الموقف الصادر عن وزارة الخارجية الفرنسية التي أعلنت أنها لا تتطلع إلى هوية وشخص الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة اللبنانية، بقدر ما تنظر إلى أدائها، وطريقة مقاربتها الأوضاع المعقدة اقتصادياً واجتماعياً، ومراعاتها لقواعد الشفافية.

حراكات وليس حراكاً

«تلبنن» الحراك إزاء التكليف، ولم يعد حراكاً واحداً موحداً، كما في بداياته؛ لذلك جاءت ردة الفعل على تسمية الدكتور دياب متفاوتة. فجزء من الحراك لا يرتبط بأي «أجندة» سياسية داخلية أو خارجية آثر الخروج من ساحات الاحتجاج، مفسحاً المجال للرئيس المكلف أن يشكل حكومة تستجيب لمطالب الناس ووجعهم، فإذا أفلح يخرج نهائياً من الشارع ويبقي رقابته على أدائه، وإن كبا يعود مجدداً إليه بزخم أقوى. وهناك جزء من الحراك يسير ب«الروموت كونترول» السياسي، من المحاور المتصارعة سواء كانت محلية أو خارجية. وبالتالي، فإن التشوش الذي أصاب الحراك مع إعلان تكليف دياب تشكيل الحكومة، أضعف الحركة الاعتراضية في الشارع، وحول بعض الساحات عن مسارها السلمي؛ حيث نشبت أعمال عنف طاولت الجيش اللبناني والقوى الأمنية، وبلغت مدارات خطرة إلى حد حمل الرئيس سعد الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، إلى رفع الصوت تنبيهاً وتحذيراً من مغبة ما جرى.

رسالة واضحة

إن كل المؤشرات تدل على أن رئيس الحكومة المكلف الدكتور حسان دياب، الوزير السابق، الأستاذ الجامعي، الذي لا ينتمي إلى العائلات السياسية التقليدية في الطائفة السنية، ولا إلى أي من رجال الأعمال، سيتمكن من تشكيل حكومة من الأخصائيين وغير سياسية كما أعلن من دون مواربة
قالها دياب صراحة: لن أعتذر وأنا من يشكل الحكومة. كانت رسالة واضحة تعني أنه لا يرضخ إلا لإملاءات قناعته، وأن تصريحات هيل في بيروت زادته قناعة بأن الخارج لا يقف عند الأسماء والصيغ، بقدر ما ينتظر نتائج المعالجات التي يتطلبها الوضع المتدهور على جميع الصعد؛ لذلك، فهو ماض في دراسة الموقف وجمع المعطيات وغربلة آراء الفرقاء، وجدولة الأولويات، قبل عرض التشكيلة على الرئيس ميشال عون الذي بدا حتى الساعة متعاوناً ومتجاوباً، وهو -على ما تؤكد مصادره- ليس في وارد العرقلة كما حال القوى السياسية التي أيدت تكليف دياب.
هل تكون للبنان حكومة؛ حيث يرجح البعض أن تكون هي هدية السنة الجديدة للمواطنين، وهي حكومة أخصائيين، غير سياسية، لا عمل لها إلا العمل، وقدرها الإنتاج؛ لأن الوضع في البلاد بات فعلاً لا قولاً على حافة الانهيار الشامل؟!
هل ينجح الرئيس المكلف، و «يكون بابا نويل» الذي سيقدم للبنانيين حكومتهم الجديدة الموعودة؟! الأيام المقبلة ستكون «جهينة» الحاملة الخبر اليقين!!

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"