لبنان..40 يوماً انتفاضة

04:27 صباحا
قراءة 5 دقائق
بيروت: رامي كفوري

على إيقاع الحراك الشعبي في المناطق اللبنانية كافة، وتجاوز المراوحة الأربعين يوماً، من دون أي تقدم على المستوى السياسي الذي يضع حداً للأزمة المتفاقمة في لبنان، برز التدويل خياراً لا بد منه؛ لإخراج البلاد من عنق الزجاجة.
الفرنسيون كانوا أول من تحرك في محاولة لفتح الآفاق المغلقة، فزار مدير دائرة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في وزارة الخارجية الفرنسية السفير كريستوف فارنو بيروت من أجل الاستطلاع، والتأكد من إمكان وجود مفاتيح للحل يمكن استخدامها؛ لتجنيب البلاد الأسوأ. وتبع ذلك اجتماع في باريس ضم إلى فارنو، مدير الشرق الأدنى في وزارة الخارجية الأمريكية السفير ديفيد شنكر ومدير الشرق الأوسط في الخارجية البريطانية ريتشارد مور. وبين التحركين، كان ثمة لقاء لافت في موسكو بين نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوجدانوف ومستشار الرئيس سعد الحريري، الدكتور جورج شعبان.

رعاية أمريكية

وكان المجتمع السياسي اللبناني قد اهتم بإفادة السفير الأمريكي السابق في لبنان جيفري فيلتمان، الذي أيد التظاهرات والحراك في لبنان، ودعا إلى مواصلة سياسة إضعاف «حزب الله» وصولاً إلى تجريده من أي تغطية سياسية ونيابية في الانتخابات المقبلة؛ لكن فيلتمان نبه إلى سلبيات استعجال الضغط على لبنان وتكثيفه بالوتيرة الحادة التي تترجم ضغطاً اقتصادياً قاسياً، وتضييقاً مالياً، بذريعة إضعاف «حزب الله» تمهيداً لضربه؛ لأن ذلك يفرز شارعاً مقابل شارع، ويؤدي إلى إجراءات تفتح الطريق أمام تجذر التمدد الروسي والصيني في لبنان، في محاولة لمقايضة نفوذ بنفوذ بتوقيت ملتبس. فيلتمان الذي واكب انتفاضة الساحات اللبنانية بعيد اغتيال الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري، نطق بما خلصت إليه قناعته التي كونها بفعل تجربته في بيروت، علماً أن الكونجرس اطلع على رأيه بصفة خبير؛ لأنه لم يعد يتحمل أي مسؤولية رسمية دبلوماسية كانت أو غير دبلوماسية. لكن ذلك لا ينفي احتضان واشنطن للحراك الشعبي في لبنان بدليل تصريحات وزير خارجيتها بومبيو، وكبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية.
لقد دُولت الأزمة في لبنان بإعلانات واضحة، ولو أن اللبنانيين في معظمهم لا يزالون يعتقدون أن بوصلتها ما تزال في يد الحراك الذي يمتنع عن إشهار قياداته حتى الآن، والذي تحاول السلطة تحويله إلى «حراكات».

ماذا تحمل المبادرات الخارجية؟

لم ترد معلومات مفصلة عن ماهية هذه المبادرات؛ لكن الواضح أن هناك تقاطعات في الرأي، وفق معلومات متسربة، بين موسكو وباريس حول الإصرار على تولي الرئيس سعد الحريري رئاسة الحكومة العتيدة، وأن تكون التركيبة تكنو- سياسية لاستحالة المجيء بحكومة تقنية صرف، أولاً لأنها عرضة للسقوط في أية لحظة وغير محصنة بما يكفي لتدارك هذا السقوط، كونها تفتقر إلى الحضانة السياسية الثابتة، وثانياً لأن «الطائف»، وبعد أن آلت الصلاحيات التي انتزعت من رئيس الجمهورية إلى مجلس الوزراء مجتمعاً، لا يتماشى مع احتمال حكومة اختصاصيين.
ووفق المعلومات فإن نصيحة فرنسية - روسية أسديت إلى الرئيس الحريري؛ للسير في هذا الخيار؛ لكنه لا يزال متردداً وله أسبابه الداخلية التي تتصل بعلاقته مع أطراف التسوية الرئاسية (الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر)، فضلاً عن ميله للتجاوب مع الحراك وتحذيرات مستشارين وأصدقاء من مغبة إغضابه. ولعله، حسب مطلعين، تم استبعاد وسقوط أسماء كانت مرشحة لخلافته. في هذا السياق من مثل الوزير السابق محمد الصفدي، إلى جانب آخرين، أرادوا التزاماً موثقاً منه بقبوله توليهم رئاسة الحكومة.

مخاوف وحذر

يضاف إلى ذلك توتر العلاقة بين الرئيس الحريري ورئيس المجلس النيابي الذي اتهمه بالنكوث بوعده لجهة مشاركة «كتلة المستقبل» في جلسة انتخابات اللجان النيابية قبل أكثر من أسبوع. وقد تسبب ذلك بتوتر بدا واضحاً في العرض العسكري الرمزي بعيد الاستقلال اللبناني الذي أقيم في وزارة الدفاع استثنائياً هذا العام في 22 المنصرم؛ بسبب الأحوال السائدة في البلاد.
لكن المعلومات المتداولة تستدرك بأن التواصل بين بيت الوسط (الحريري) والثنائي الشيعي ليس مقطوعاً تماماً؛ لأنه لا رغبة للطرفين في ذلك؛ نظراً لما تحمله القطيعة التامة من مخاطر ومحاذير في السياسة وعلى الشارع. وتزامن ذلك مع وصول مدير الشؤون السياسية في وزارة الخارجية البريطانية السفير ريتشارد مور إلى العاصمة اللبنانية بيروت أول الأسبوع، وسيلي وصوله وصول موفد روسي، والغاية واحدة: الاستطلاع وتكوين صورة واضحة؛ من خلال الاتصال المباشر بالمعنيين بالأزمة، ودراسة واقع الأرض.
وفيما يبدو الموقف الأمريكي حتى الآن، وفق مراقبين، يتجه إلى ممارسة حد كبير من الضغط لدفع العلاقة بين «حزب الله» ومعارضين إلى نقطة اللاعودة، فإن الحذر والخشية من احتمال تدحرج الوضع إلى الصدام الأهلي، وتفلت الفوضى وانتشارها، يشكل نقطة التقاء بين النظرة الأوروبية والنظرة الروسية إلى الوضع اللبناني المأزوم.

ماذا حملت المساعي إلى الحريري؟

في المعلومات أن المبادرات الخارجية (باستثناء الأمريكية) نصحت الحريري أن يقبل بحكومة تكنو سياسية، على أن تكون أغلبيتها من الأخصائيين، وأن يكون السياسيون فيها من غير الأسماء المستفزة لأي طرف. وشددت النشاطات الغربية على أن يكون الحريري هو الخيار الأول، والثاني والثالث، ولو استغرقت عملية الإقناع أياماً إضافية؛ لأن عكس ذلك يؤزم الأمور أكثر فاكثر، ويدفع بها إلى مدارات أكثر خطورة مما يتصور البعض. وإذا رفض الحريري سيكون هناك إصرار على مرشح لتأليف الحكومة يسميه هو، ويتعهد بتأييده ودعمه، وليس كما جرى مع الوزير السابق محمد الصفدي.
وتقول أوساط مواكبة لحركة الاتصالات، إن هناك اتصالات مكثفة ستجري هذا الأسبوع لبلورة الصورة، وتبيان المواقف النهائية؛ لأن البلاد لم تعد تملك «ترف» الانتظار طويلاً، تداركاً للوقوع في المحظور، وإلا هناك من يحتمل أن رئيس الجمهورية سيجد نفسه مضطراً بالاتفاق مع الأغلبية النيابية بتكليف شخصية أخرى (سيحاول أبل يعارضها الحريري)!، لتشكيل حكومة تكنو-سياسة غير استفزازية، يكون فيها للحراك حصة وازنة، وحقائب أساسية؛ لامتصاص حركة الشارع وحراكه، تمهيداً لإعادة الانتظام إلى عمل مؤسسات الدولة وأجهزتها، ومعالجات سريعة وفاعلة للأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية التي تفاقمت بفعل التطورات الأخيرة، والبدء بتنفيذ الإصلاحات.
احتمالات الانفراج تتعادل مع احتمالات المراوحة، وكل الخيارات مفتوحة. وعلى الرغم من شعور الجميع بخطورة المرحلة، فإن للحسابات والسياسات المختلفة، دورها في إطلاق عجلة الحل، أو زرع المسامير في طريقه.
ولعله جدير بالملاحظة القوية ما حصل الأحد الماضي الذي كان خطراً؛ حيث استدعى تحركاً واسعاً للقيادات العسكرية والأمنية في جميع الاتجاهات قبل أن تفلت الأمور من عقالها؛ إذ هاجم شارع مذهبي معارض للحِراك بعض جموع هذا الحراك ليلاً بحجة التعرض لرموزه! إنها لعبة الشارع.. هي سيف بحدين، والخوف أن يطاول عنق لبنان!!

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"