مضادات اليأس

02:53 صباحا
قراءة دقيقتين
علاء الدين محمود

جاء في لامية العجم للطغرائي الأصفهاني، قوله: «أعللُ النفس بالآمال أرقبها/ ما أضيق العيش لولا فُسحة الأمل».
ولقد انتشر عجز البيت بين الناس مثلاً يرددونه كلما وقعت عليهم النوازل وغواشي الدهر من المصائب والأمراض والأوبئة وغيرها من ما يصيب الإنسان، فللكلمة سحرها ووقعها عندما تكون معبرة عن الحال والمقال، وهذا هو دأب الشعراء والفنانين والمبدعين، وهذا هو دور المثقف في المجتمع أن يجعل رايات الأمل مرفوعة بين الناس فلا يستسلمون للحزن والهم والغم، فالثقافة هي المضاد الحيوي من أن يتسلل اليأس إلى القلوب والعقول، فالحياة الثقافية بكل ضروب إبداعها من مسرح وشعر وسرد وغير ذلك، هي ليست عالماً موازياً أو افتراضياً يحلق في سماوات معزولة، بل هي من صميم الواقع، تعبر عنه وتجمله.
إن ما يمر به العالم اليوم من جائحة ألقت بظلالها على الحياة اليومية، يتطلب من المثقفين في كل مكان ومجتمع أن يفعلوا من أنشطتهم ويكونوا قادة المرحلة الحقيقيين بما يحملون من مقدرات حقيقية على الإلهام والإبداع، وذلك ما تحتاج إليه البشرية بصورة عامة عند كل لحظة منعطف كبير كالذي تمر به اليوم، وذلك عبر تشكيل خطاب ثقافي جديد يستوعب تحديات المرحلة، ويدعو إلى بث الطمأنينة في النفوس، ومحاربة الشائعات والآراء السلبية التي تصيب الناس بالهلع، فإذا ما وسعنا من مفهوم الفيلسوف الإيطالي انطونيو جرامشي، نستطيع أن نصل إلى صناعة المثقف المرتبط بالمجتمع المهتم بكل قضاياه.
ولا ننسى كذلك الدور الكبير الذي تلعبه الثقافة الشعبية بوصفها الأكثر ارتباطاً بالواقع اليومي، وأكثر تعبيراً عن حياة الناس مثل الموسيقى الشعبية والأغاني والأهازيج وغيرها من ضروب ثقافات المجتمع، فهي ذات قدرة وفاعلية عالية في محاصرة البؤس ومشاعر القتامة، وصناعة حالة إيجابية في المجتمع، فالثقافة في الأصل تستهدف في مفهومها العام ذلك الفعل الإيجابي الخلاق، فهي تحفز الإنسان على إخراج أفضل ما لديه من مقدرات إبداعية وطاقات من أجل مواجهة الحياة بصورة يسودها التفاؤل والأمل.
وهنالك الكثير من الأدباء والفنانين والفلاسفة قد برعوا في زراعة الأمل في نفوس البشر عبر أعمال ومقولات ومفاهيم خالدة، بل لقد كانت الفلسفة في سيرتها هي صراع الأمل ضد اليأس، وكذا فعلت نسختها الحديثة على يد أفذاذ من أمثال فوكو ودولوز وغيرهما دعوا إلى إنسانية الإنسان، ومن الأدباء هنالك كازنتازاكي الذي يقول: «هل الابتسامة مجرد قناع؟ مع ذلك يجعل هذا القناع الحياة الاجتماعية محتملة وتقريباً مقبولة ويمنح العلاقات البشرية كرامة ونبلاً».
هي مقولات ومفاهيم وقصائد وروايات وقصص تدعو للخير والحب والجمال، تلك هي قصة الثقافة وما تفعله في حياة البشر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"