هدنة لترويض النفس

03:12 صباحا
قراءة 5 دقائق

استطلاع: نجاة الفارس


ماذا يفعل المثقفون والكتاب في زمن كورونا؟، وكيف يقضون أوقاتهم؟ ماذا يقرأون؟، وماذا يكتبون؟، وهل ثمة كتابات أو مدونات يومية تتعلق بوباء كورونا؟.

أكد عدد من الكتاب والمثقفين أن هناك فرصة كبيرة لتزجية الوقت في قراءة الكتب الجديدة التي اشتروها في الماضي ولم يسعفهم الوقت بقراءتها، مما يتيح في هذه الفترة الحرجة توسيع الآفاق وتغذية الفكر، وكأنها فرصة ذهبية للتواصل مع الذات، وهدنة لترويض النفس ومعرفة قيمة الأشياء من حولنا.

تقول الروائية لولوة المنصوري: أظنني في مرحلة اختمار التجربة واستعادة خبراتي الزراعية في حديقة البيت، وتنشيط موسيقاي الداخلية، كنت متآلفة دائماً مع العزلة، وهي بيتي وطمأنينتي ومصدر طاقتي وتدفقي الإبداعي، ليست طارئة ولم يحدث أي ارتباك أو شتات وفق طفولتي وتربيتي شبه الصوفية في بيت الوالد في إمارة رأس الخيمة الهادئة، لكن في هذه الأيام وفي مثل هذه الأجواء، أرى أن الزراعة هي حركة الحوار مع الأرض، والشعر هو خلاصي، هو العبور الأمثل لخطاب الروح حين تبدو حركة الأشياء والحياة ملبدة ومشبعة بالتناقض. قراءة الشعر طريقي لاستيعاب ما يحدث في العالم، وأخشى أن تكون كتابتي مستعجلة إزاء حدث يستدعي المراقبة والتفكيك والتأني والبحث في تداعياته وأبعاده.

تفضيلات

أما الشاعر والكاتب محمد أدريس فيقول: المثقف بوصفه رائداً ونموذجاً للمواطن الواعي، تقع عليه مسؤوليات إضافية في توعية الناس وتحذيرهم من مخاطر المرض ومن شرور مضاعفاته.

يقضي المثقف وقته في متابعة أخبار المرض عبر محطات التلفزة وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، وبالتأكيد هناك وقت للكتابة، حيث يسهم المثقف بكتاباته وتعليقاته في محاربة هذا الوباء، والتحذير من مضاعفاته وشروره، سواء عبر المقالات، أو القصص والأشعار التي ينشرها، حيث تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دوراً كبيراً ومؤثراً في هذا الخصوص، أما عن القراءة فحدث ولا حرج، حيث يقضي المثقف جل وقته في القراءة، فهناك فرصة كبيرة لتزجية الوقت في قراءة الكتب الجديدة التي اشتريناها في الماضي ولم يسعفنا الوقت بقراءتها، كما أن هناك فرصة أخرى لمراجعة الكتب القديمة التي أهملناها وتركناها قابعة في الأرفف، وأعتقد أن الوقت غير مناسب لكتابة الشعر الآن، فالشعر يحتاج إلى أجواء مبشرة، أنا حالياً أقوم بوضع لمساتي الأخيرة على كتابي الجديد الذي سيصدر قريباً بعنوان «مقالات ملونة»، كما أعتقد أن قراءة القصص والروايات هي المفضلة للجميع في مثل هذه الأوقات، وحالياً أقرأ كتاباً جميلاً بعنوان «لغات الحب الخمس» للكاتب والمذيع الأمريكي جاري تشابمان، الذي يحكي عن خمسة طرق للحب بين البشر.

طاقة إيجابية

وتقول الكاتبة والملحنة إيمان الهاشمي: أجمل أنواع الإبداع ينبعث من حرارة الأزمات، ولهذا دائماً نرى كيف تكون النظرة الإيجابية في محلها أياً كانت السلبية، وكيفما كانت طاغية على الوضع، وفي الإمارات بلد الإيجابية ومنبع السلام، من الطبيعي أن يقابل شعبها المحن بإيجابية، وكأن هذه المحنة فرصة لا تعوض كي يبدو الولاء والحب للوطن الغالي، من خلال مكوثهم في المنازل وعدم إثارة الشائعات أو تداولها، والعمل على نشر التوعية المجتمعية لبقية أفراد المجتمع، ومن هنا يأتي دور الكتاب، حيث يكون من واجبهم وعلى عاتقهم أن ينشروا ثقافة الوعي والحث على استثمار الوقت في صالح الجميع من شتى النواحي، كما يعمل الأدباء في هذه الفترة الحرجة على توسيع الآفاق وتغذية الفكر، وكأنها فرصة ذهبية لاستثمار الذات، وترويض النفس، وفي نفس الوقت معرفة قيمة الأشياء من حولنا.

وبالنسبة لي كملحنة وكاتبة إماراتية استثمر وقتي جيداً في المنزل، وأبث الطاقة الإيجابية لكل من حولي، بالاستفادة من وقتهم، كما أنني أعمل على تهدئة بعض النفوس الخائفة أو تحذير أولئك الذين يعانون اللامبالاة، لكي نتجاوز هذه الأيام القاسية بسلام؛ بل بثقافة أكثر ووعي أكبر وصبر أعظم، وتواصل أقرب مع الذات. أقوم بالعديد من الأنشطة المجتمعية من منزلي، فتارة أكتب ما يبث الطمأنينة وتقديم النصح والإرشاد في كيفية استثمار هذا الوقت، وتارة أنشر مقطع فيديو موسيقياً للترفيه عن الجميع في منازلهم، ولا أنسى نفسي أيضاً من القراءة بشكل عام. حالياً تستهويني الكتب العلمية والطبية، وكأن عقلي الباطني يواكب الأحداث العالمية، وأيضاً أقرأ كتاباً عن تطوير الذات وكيفية التعامل مع الأزمات، ولا بأس بمشاهدة بعض البرامج أو حتى الكرتون بغرض الترفيه عن النفس، والجميل هو أنني أشارك الجميع بما أدوِّنه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فلا أشعر بأنني منقطعة عن العالم، وأعمل جاهدة ألا يشعر أحد بأنه وحيد، فأطلب منهم مراسلتي وأرد على الجميع.

ممارسة الشغف

أما منى كاظم كاتبة ومستشارة في التنمية الذاتية فتقول: لقد استهلكت الأوبئة على مدى عقود طويلة، البشرية، وطالت الحياة والاقتصاد والأمن، ولكن رجعت الحياة لسابق عهدها. الجميل في تلك الأزمات، من وجهة نظرتي الإيجابية للحياة، هو الدروس القاسية المستفادة والعبر التي تنضج فكر وعقل كل من وعى.

وفي ضوء تلك الأحداث المؤلمة والالتزام بالجلوس في المنزل اتباعاً لتعليمات الحكومة الرشيدة التي تحرص كل الحرص على سلامة وصحة المواطن والمقيم على هذه الأرض الطيبة، وعلى الرغم من الشكاوى التي نسمعها من أغلبية الناس بسبب نظرتهم للجلوس في المنزل على أنه سجن وتقييد لحريتهم، فإنني وجدتُ ضالتي وراحتي لممارسة شغفي؛ كوني كاتبة ومستشارة في التنمية الذاتية، ارتأيت أن أستغل طاقتي في كل ما يصبّ في مصلحة المجتمع، بداية بنفسي وعائلتي، فوقت الفراغ إن لم يُستغل بطريقة فعالة ويتم تنظيم الوقت بكفاءة، يصبح نقمة على الإنسان. وكما هو معروف، فإن وسائل التواصل الاجتماعي هي منصات في غاية الأهمية والتأثير، لمن يمتلك الوعي والرغبة في مساعدة الآخرين، ولديه الإمكانات الأدبية والخبرة، وباستطاعته إضفاء مسحة من البلسم على قلوب الناس ونشر الطمأنينة والسكينة، وهو ما أقوم به من إعداد للمقالات والخواطر والمقاطع المصورة على تلك المنصات من واقع حسّي الوطني ودوري في المسؤولية المجتمعية، وإضافة إلى قراءة الكتب التي وعدتُ نفسي بالانغماس فيها، ولكن في زخم الحياة والانشغالات السابقة، كان التأجيل والتسويف الإجابة الشافية في وقتها، فهناك كتب التنمية البشرية سواء العربية أو الإنجليزية، وهي الطاغية الآن على مائدتي، وكذلك بدأت في وضع ملامح كتابي الخامس.

إنني أؤمن بأن كل فرد لديه الخبرات والتجارب والمهارات في مجاله، ونستطيع كلنا أن نوظف تلك الكنوز في خدمة الذات والبشرية لو امتلكنا الوعي والإرادة، وإن لم نقرأ الآن فمتى ستحين تلك الساعة إذاً؟

ويقول الروائي سعيد الحنكي: مهمة الأديب تقع بين الإعلامي والمؤرخ، فإذا كانت مهمة الإعلامي هي أن يحصل على السبق الصحفي، ومهمة المؤرخ أن يروي أحداثاً يتتبعها، فإن مهمة الأديب أن يرى الأحداث ويتريث حتى يهضم ما يراه ويستوعبه، ثم يحاول كتابته بعد أن ينضج في مخيلته، ولذلك لا أتوقع أن أديباً يقوم بدور الإعلامي ليكتب عملًا أدبياً ناضجاً الآن، عما يدور في العالم بشأن جائحة «كوفيد 19»، ولا أظنه في الوقت ذاته، ينتظر حتى يصبح الحدث في ذمة المجهول ليتتبع ما قيل عنه ليكتبه، وإنما ينتظر اللحظة المناسبة ليفهم ويستوعب ويدرك أبعاد الموضوع الإنسانية ليكتب عنها. وفي هذه الأوقات ومع دعوات السلطات للجمهور بالابتعاد عن التجمعات والاختلاط بالناس كثيراً درءاً لانتشار الوباء، أظن من المناسب أن ينتهز الأديب والمثقف الفرصة للاطلاع ومحاولة الكتابة عن مواضيع تكون اختمرت في رأسه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"