هل تستطيع أوروبا الاعتراف بفلسطين؟

02:58 صباحا
قراءة 5 دقائق
حلمي موسى

منذ أن شرعت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإظهار انحيازها التام للرواية الصهيونية الأشد يمينية صارت أكثر الدول الأوروبية أشد اهتماماً بإبراز تميزها عن الموقف الأمريكي، واختلافها معه. والحقيقة أن الأوروبيين على مدار العقود الأخيرة تميزوا بشكل ما عن الأمريكيين، واستبقوهم بإطلاق مواقف متقدمة بالنسبة للصراع العربي «الإسرائيلي» أقل انحيازاً للاحتلال واقتراباً مما تراه الشرعية الدولية.
ليس صدفة أن هذا الموقف الأوروبي المتقدم أسهم، على الأقل في الشأن الفلسطيني، في لعب الأوروبيين أدواراً أبرز في إيجاد مخارج ومحاولات وضع حلول حققت اختراقات سياسية مهمة. وبين هذه المحاولات مفاوضات أوسلو التي قادت إلى اتفاق أوسلو الذي عملت الجهات الأشد يمينية في الكيان على إفراغه من أي معنى، وتبديد غايته في حل الدولتين.
وفي الأشهر الأخيرة، وبعد سلسلة الضربات التي وجهتها إدارة ترامب لمشروع التسوية عبر الاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال ومحاولة إنهاء وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، ثم إعلان أن الأراضي المحتلة ليست محتلة، وأن المستوطنات ليست «غير شرعية»، زادت المطالبات الفلسطينية والعربية للاتحاد الأوروبي بالرد على ذلك بالاعتراف بدولة فلسطين. ومعروف أن عدة دول أوروبية تعترف بأشكال مختلفة بدولة فلسطين، وتقيم علاقات دبلوماسية معها، إلا أن هذا ليس الموقف الرسمي للاتحاد الأوروبي.

لوكسمبورج تقود أوروبا

وقد تشجع وزير خارجية لوكسمبورج جان أسيلبورن لمطالبة وزراء خارجية الاتحاد بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، عبر رسالة وجهها إلى وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل وبقية وزراء خارجية الدول الأعضاء في الاتحاد. وشدد في الرسالة على واجب الاتحاد للدفع نحو حل الدولتين «.. وإحدى سبل إنقاذ هذا الحل هو خلق ظروف متكافئة بين الطرفين.. ولذلك أعتقد أن الوقت قد حان لبدء نقاش داخل الاتحاد الأوروبي بشأن اعتراف جميع الدول الأعضاء بدولة فلسطين».
وجاء في رسالة أسيلبورن إلى نظرائه الأوروبيين يقول: «إن الاعتراف بدولة فلسطين ليس معروفاً ولا تفويضاً مفتوحاً، وإنما اعتراف بحق الشعب الفلسطيني في الحصول على دولته الخاصة»، مضيفاً أن «مثل هذه الخطوة لن تكون موجهة ضد (إسرائيل) على الإطلاق. إذا أردنا حل النزاع، يجب ألا ننسى احتياجات (إسرائيل) الأمنية، والعدالة والكرامة التي يستحقها الفلسطينيون».
وكان واضحاً من اجتماعات وزراء الخارجية الأوروبيين أن هناك قلقاً كبيراً من الإجراءات التي تتخذها الإدارة الأمريكية لإعادة تعريف القانون الدولي، ومنحها التأييد للخطوات الصهيونية غير الشرعية. وقد ظهر ذلك بوضوح في قرار المحكمة العليا للاتحاد الأوروبي التي قررت إلزام دول الاتحاد بقرار وسم بضائع المستوطنات، وعدم اعتبارها منتجة داخل الكيان، وإنما في أرض محتلة. وبديهي أن هذا القرار تناقض تماماً مع وجهة السياسة الأمريكية تجاه هذه المسألة.
ولم تكن رسالة أسيلبورن مبادرة متكاملة الأوجه جاهزة للبحث في الاجتماع الشهري المنصرم، لكنها من المؤكد كانت مقدمة للبحث في هذا الشأن، وتحديد موقف منه ربما في الاجتماع الشهري في يناير المقبل. ومن المؤكد أن رسالة أسيلبورن لا تعني البتة أن مجلس وزراء خارجية الاتحاد سوف يقرر تبني هذه الرسالة قريباً. إذ إن أمراً كهذا سيواجه بالتأكيد مساعي حثيثة من جانب كل من الإدارة الأمريكية والحكومة «الإسرائيلية» لمنع إقراره. وإذا علمنا أن القرارات الملزمة في هيئات الاتحاد الأوروبي تتخذ بالإجماع، فإن الطريق أمام اتخاذ قرار كهذا يبدو طويلاً.
ومعروف أن للاحتلال علاقات مميزة مع عدة دول أوروبية، خصوصاً من أوروبا الشرقية، وهي تحاول على الدوام استغلال هذه العلاقات لمنع اتخاذ قرارات ضدها. كما أن للولايات المتحدة نفوذاً كبيراً على هذه الدول تحديداً، ويصعب تصور عدم استخدام هذا النفوذ لمنع إحراج السياسة الأمريكية والدولة العبرية. ومع ذلك فإن النفور الأوروبي عموماً من محاولات التفرد الأمريكي بالقرار الدولي من جهة، وعنجهية الكيان في التعاطي مع مسألة الاستيطان، وتكرار إعلانه نيته ضم غور الأردن من جهة أخرى قد تعزز الميل لقبول مبادرة لوكسمبورج.

قلق «إسرائيلي»

وبديهي أن مبادرة لوكسمبورج للاعتراف بالدولة الفلسطينية تثير قلقاً شديداً في الكيان. ويزداد هذا القلق لأن الأمر كان يدرس في مؤسسات الاتحاد منذ فترة طويلة، وما كان يعيقه هو الضغط الأمريكي الذي كان يرفض استباق الأوروبيين للرعاية الأمريكية. وقد انتظر الأوروبيون مثل غيرهم الإعلان الأمريكي عن «صفقة القرن» التي يراها كثيرون «ولدت ميتة»، وأنه لا حاجة لمزيد من الانتظار. وبعد أن ظهر فشل «صفقة القرن» وتحولها إلى محاولة لفرض الحل الصهيوني على الفلسطينيين ازدادت الرغبة في إظهار التمسك بالشرعية الدولية. وقد بدا هذا واضحاً في الاعتراض على اعتراف الإدارة الأمريكية بالقدس عاصمة للكيان، وإعلانها أن الاستيطان لا يتعارض مع القانون الدولي. إذ انتقدت خمس دول أوروبية رئيسية أعضاء حالياً في مجلس الأمن الدولي، على هامش مناقشة المجلس، القرار الأمريكي، وقالت في بيان مشترك: إن «موقفنا من سياسة الاستيطان (الإسرائيليّة) في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة، بما في ذلك القدس الشرقيّة، واضح ولم يتغيّر».
كذلك عملت الدول الأوروبية على محاولة منع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين من الانهيار، بعد حجب الإدارة الأمريكية عنها التمويل المالي، بل إنها أيّدت، خلافاً للإدارة الأمريكية، تمديد تفويض وكالة الغوث لثلاث سنوات أخرى.
ومن المؤكد أن موقف هذه الدول، وهي فرنسا وألمانيا وبريطانيا وبلجيكا وبولندا، سيلعب دوراً بارزاً في نتيجة المداولات حول الاعتراف بالدولة الفلسطينية في هيئات الاتحاد الأوروبي.
ومعروف أن بين دول الاتحاد الأوروبي دولاً أكثر مناصرة للحق الفلسطيني طالبت برلماناتها حكومات هذه الدول بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، وبينها إسبانيا وأيرلندا. كما أن البرلمان الأوروبي أقر في عام 2014 تأييده إقامة دولة فلسطينية من حيث المبدأ، وكان هذا الموقف تسوية بين مواقف مختلفة للتيارات السياسية في أوروبا. وتعترف أكثر من 135 دولة في العالم بالدولة الفلسطينية، ومن بينها كما سلف دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي ودول أوروبية أخرى.

ترحيب فلسطيني

في كل حال رحب الفلسطينيون جداً برسالة أسيلبورن، واعتبروه موقفاً أوروبياً متقدماً. وقد أعلنت الحكومة الفلسطينية أنها ستعمل جاهدة لدى دول الاتحاد من أجل إقرار مطلب لوكسمبورج. وتجد السلطة الفلسطينية في المواقف الدولية وقرار مجلس النواب الأمريكي تأييد حل الدولتين تشجيعاً لمواصلة الجهد من أجل نيل الاعتراف الأوروبي بالدولة الفلسطينية. غير أنه يصطدم، كما سلف، بالجهد الذي تبذله الحكومة الصهيونية بالتعاون مع الإدارة الأمريكية لعرقلة هذا التوجه، وهو ما يجعل مثل هذا الاعتراف مؤجلاً ولو إلى حين. ومن المحتمل أن تعرقل نتائج الانتخابات في بريطانيا وفوز المرشح اليميني الجهد العربي والفلسطيني لدى الاتحاد الأوروبي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"