هل تشعل تايوان الحرب؟

02:34 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. أحمد قنديل *

مع بداية العام الجديد، أطلّت أزمة تايوان بقوة مرة أخرى، منذرة بإمكانية نشوب حرب جديدة في منطقة شرق آسيا، ومهدّدة بمزيد من التوتر والتصعيد ليس فقط في العلاقات الصينية - التايوانية وإنما أيضاً في العلاقات الصينية - الأمريكية، التي تشهد منذ مجيء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السلطة تنافساً شديداً وحرباً تجارية مشتعلة.
بعد سنوات من الهدوء، انفجرت الأزمة التايوانية من جديد، بعدما رفضت رئيستها تساي إينج-وين، دعوة الرئيس الصيني شي جين بينج، لإعادة الوحدة بين البلدين، مؤكدة على أن الغالبية العظمى من الرأي العام التايواني متمسكون بمعارضة مبدأ «الصين الواحدة» وفكرة «دولة واحدة ونظامان». واتّهمت تساي بكين بالاستفزاز وبشن «حملة متعمدة» لتقويض الديمقراطية في الجزيرة برفضها التحاور مع حكومتها. كما طلبت رئيسة تايوان من حلفائها المساعدة في الدفاع عن سيادة تايوان، بعدما كثفت بكين مناوراتها العسكرية قرب الجزيرة.
وقد جاء هذا الرفض القاطع للوحدة مع بكين من جانب رئيسة تايوان، بعد تحذير الرئيس الصيني، في بداية العام الجاري، من أن بلاده لن تتخلى عن خيار استخدام القوة العسكرية لإعادة بسط سيادتها على الجزيرة، التي تتمتع بالحكم الذاتي منذ عام 1949. وأكد الرئيس الصيني، في خطاب له بمناسبة الذكرى الأربعين لبيان سياسي بشأن تحسين العلاقات مع تايوان، أن «مطلب استقلال تايوان تيار معاكس للتاريخ، ولا مستقبل له»، محذراً من أن استقلال تايوان «لن يجلب سوى البلاء والكوارث». وتابع «أن القضية مسألة داخلية، وأن الصين لن تسمح فيها بأي تدخل خارجي».
وبعد هذا الخطاب بعدة أيام، كرر الرئيس الصيني طلبه من كبار القادة العسكريين تعزيز قدرات القوات المسلحة الصينية لمواجهة «الطوارئ» والاستعداد «للمعارك»، في رسالة واضحة لكل من يهمه الأمر، خاصة في واشنطن وتايبيه، بأن مسألة انفصال تايوان تمثل «خطاً أحمر» لا يمكن المساس به. ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها قادة الصين عن الخيار العسكري لمنع استقلال تايوان، ففي ديسمبر/كانون الأول الماضي، أكد وزير الدفاع الصيني على أن الجيش سيتحرك «مهما كان الثمن لإحباط المحاولات لفصل جزيرة تايوان».
ورغم أن الصين وتايوان تخوضان منذ عشرات السنين نزاعا دبلوماسيا، إلا أن التوتر ازداد بين الجانبين منذ مجيء زعيمة الحزب الديمقراطي التقدمي، تساي إينج-وين، إلى منصب الرئاسة في 2016، لأنها خالفت توجه سلفها ما يينج-جيو، المنتمي لحزب «الكومنتانج» القومي المقرب من النظام الصيني، برفضها اعتبار تايوان جزءاً من «صين واحدة». وفي مواجهة ذلك، قررت الصين أحادياً قطع كل تواصل مع حكومة تساي، وضاعفت مناوراتها الجوية والبحرية حول الجزيرة، بما في ذلك إبحار إحدى حاملات الطائرات الصينية عبر مضيق تايوان، وزادت عدد الدوريات التي تقوم بها الطائرات العسكرية هناك. كما صممت بكين أيضا على أن تقيم الدول المختلفة علاقات دبلوماسية مع الصين أو مع تايوان، وليس مع كلتيهما، وهو الأمر الذي أدى لقطع بعض حلفاء تايوان الدوليين، العلاقات الدبلوماسية معها، مثل السلفادور وبنما وجمهورية الدومينيكان، إرضاء لبكين.
ومن ناحية أخرى، يبدو أن ميل الإدارة الأمريكية للرئيس ترامب نحو تصعيد الحرب التجارية بين بكين وواشنطن يساهم، بشكل ملموس، في تفاقم التوتر بين الصين وتايوان. حيث يرى عدد من خبراء الشأن الآسيوي أن الإدارة الأمريكية الحالية تستخدم الملف التايواني من أجل «ابتزاز» الصينيين والضغط عليهم للاستجابة لمطالبها في المجالين التجاري والسياسي. ففي تحدٍ كبير للصينيين، أرسلت الولايات المتحدة، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، سفينتين حربيتين عبر مضيق تايوان في ثاني عملية من نوعها العام الماضي، في إشارة قوية لدعم تايوان. وجاء هذا التحدي بعد شهر واحد فقط من موافقة واشنطن على بيع تايوان قطع غيار وتبديل لطائرات حربية من طرز: إف-16 وإف-5 وسي-30 بقيمة إجمالية تصل إلى 330 مليون دولار. كما قامت واشنطن أيضا في عام 2018 بتمرير قانون «السفر إلى تايوان» الذي يشجع كبار المسؤولين الأمريكيين على تعزيز التعاون مع تايبيه. كما أصدر الرئيس الأمريكي أيضا في أول يوم من عام 2019 قانون «مبادرة إعادة الطمأنة لآسيا» Asia Reassurance Initiative Act، والذي يؤكد على التزام الولايات المتحدة تجاه أمن حلفائها الآسيويين، ومن بينهم تايوان، بما في ذلك مبيعات الأسلحة. وكل هذه التحركات الأمريكية الداعمة لتايوان ربما تكون هي العامل الرئيسي الذي أشعل غضب الصينيين مؤخراً ودفع بكين لإظهار «العين الحمراء» في الملف التايواني.
على أية حال، ليس من المتوقع في المدى المنظور أن يعود الهدوء إلى العلاقات الصينية - التايوانية، بل على العكس قد تشهد هذه العلاقات تصعيدا مستمرا حتى إجراء الانتخابات الرئاسية القادمة في تايوان في عام 2020. ومما يدعم هذا التقدير وجود حالة من الانقسام السياسي الشديد في تايوان بين مؤيدي ومعارضي إعادة الوحدة مع الصين، خاصة بعد الخسارة الكبيرة التي لحقت بالحزب الديمقراطي التقدمي الحاكم أمام حزب الكومنتانج المؤيد للوحدة مع الصين في الانتخابات البلدية والمحلية التي جرت في نوفمبر الماضي، حيث سيطر مؤيدو حزب الكومنتانج على 15 مقعداً في انتخابات رؤساء 22 بلدية ومقاطعة في تايوان، مقابل 6 مقاعد فقط للحزب الديمقراطي التقدمي، الذي تتزعمه رئيسة تايوان، ومقعد واحد للمستقلين. ورغم أن هذه الخسارة دفعت الرئيسة تساي إينج-وين، إلى التخلي عن قيادة الحزب، اعترافا منها بمسؤوليتها عن هذا التراجع الكبير في شعبية الحزب، إلا أن تساي لا تزال تبدو عازمة على تحقيق الاستقلال عن الصين، بكل السبل الممكنة، بما في ذلك تعزيز التحالف الأمني والاستراتيجي مع الولايات المتحدة، وهو أمر سوف يشعل غضب الصينيين بشدة في الفترة القادمة.
ولكن، في نفس الوقت، يدرك قادة الصين أن إعادة الوحدة مع تايوان تتطلب مستوى منخفضا من التدخل السياسي والعسكري في الجزيرة لكسب القلوب والعقول من جانب سكان تايوان، البالغ عددهم حوالي 23 مليون شخص. فالتلويح العنيف باستخدام القوة العسكرية والتدخل الواضح لدعم الساسة المؤيدين للوحدة مع بكين سوف يحدث، على الأرجح، «ردة عكسية»، ويقود في الغالب إلى دعم التيار المنادي بالاستقلال، وبالتالي فوز تساي في الانتخابات الرئاسية المقبلة. وفي هذا السياق، يمكن القول: إنه من المستبعد أن تلجأ بكين إلى الخيار العسكري إلا إذا تجرّأت رئيسة تايوان على إعلان استقلالها رسمياً أو استدعت قوة أجنبية للتدخّل فيها، ولا سيّما الولايات المتحدة، وهو ما ستعتبره بكين دعماً للحركات الانفصالية وانتهاكاً خطيراً لسيادتها، وهنا سوف تندلع الحرب، في ظل اشتعال الحرب التجارية بين الجانبين، ومرابطة الأسطول السابع الأمريكي في خليج تايوان بصورة شبه دائمة.

* خبير الشؤون الآسيوية والعلاقات الدولية.مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية
[email protected]
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"