يوم الأرض.. واستراحة المحارب

03:42 صباحا
قراءة 5 دقائق
حلمي موسى

أحيا الفلسطينيون في الوطن والشتات الذكرى الثالثة والأربعين ليوم الأرض الذي غدا أحد معالم تمسكهم بوطنهم بأشكال مختلفة. وبرزت على وجه الخصوص مسيرات العودة على حدود القطاع والتي جرى التهويل بشأنها بسبب ارتباطها أيضاً بمساعي كسر الحصار، وكذلك مهرجان سخنين في الأراضي المغتصبة عام 1948 والتي انطلقت منها ذكرى يوم الأرض.
يمكن القول إن «يوم الأرض» صار واحداً من أهم عناوين وحدة الشعب الفلسطيني في كل أماكن وجوده، بالرغم من الخلافات والعوائق التي تعرقل إظهار هذه الوحدة.
وكما في كل عام يحيي الفلسطينيون عموماً وفي مناطق 48 خصوصاً ذكرى يوم الأرض عبر تظاهرات ومسيرات احتجاجية ضد مصادرة الأراضي ومصادرة الحق في العودة والعيش بحرية على أرض الآباء والأجداد.
وقد جرت هذه التظاهرات والتجمعات على نطاق واسع في النقب والجليل، وخصوصاً في الطيبة وكفر كنا فيما كان المهرجان المركزي في مدينة سخنين. وترافقت مع هذه التظاهرات مسيرات في أماكن مختلفة في الضفة الغربية وفي عدد من مناطق وجود الفلسطينيين وأنصارهم في العالم بعد أن صار يوم الأرض أيضاً يوماً للتضامن مع الشعب الفلسطيني.
غير أن الأنظار توجهت هذا العام بشكل لافت إلى احتفال الفلسطينيين في قطاع غزة بهذا اليوم؛ إذ جرى تأكيد في الآونة الأخيرة، أن هذا اليوم سيكون يوماً مفصلياً بسبب ارتباطه أيضاً بمسيرات العودة التي انطلقت بزخم كبير في مثل هذا اليوم قبل عام. ومثلت مسيرات العودة في القطاع والتي وسعت من أهدافها لتغدو أيضاً «مسيرات العودة وكسر الحصار»، أسلوباً نضالياً جديداً لإخراج القطاع من حالة البؤس التي يعانيها. ولم تقتصر مسيرات العودة على ذكرى يوم الأرض كما هو قائم في العديد من المناطق، بل صارت تجري بشكل مركز كل يوم من أيام الجمعة على مدار العام الماضي بأسره.
وشكلت مسيرات العودة على حدود القطاع وما رافقها من أشكال نضالية مختلفة، تراثية وثقافية وعنفية، وآخرها نشاطات الإرباك الليلي، حالة إزعاج كبيرة للاحتلال الذي كان يرد عليها بأعمال عسكرية تضع المنطقة على حافة حرب.
وتكفي نظرة سريعة إلى أحداث ما قبل يوم ذكرى الأرض، لتشهد على الأهمية التي أوليت لما يمكن أن يحدث فيه. وطبيعي الإشارة هنا إلى السجالات الدائرة في دويلة الاحتلال بشأن غزة في ظل المعركة الانتخابية الساخنة، وخصوصا بسبب مسيرات العودة والإطلاقات الصاروخية من القطاع.
فقد حشد جيش الاحتلال أكثر من فرقة عسكرية بعد أن كثف مؤخراً من حجم القوات الموجودة بإرسال لواءين، أحدهما مدرع والآخر مشاة، لتهيئة الأجواء لاحتمال غزو بري للقطاع.
كما أن الطائرات الحربية، شنت على مدار أيام غارات واسعة على القطاع بقصد إرباك مسيرات العودة والفعل المقاوم. بل وتقدمت، عبر مندوبها في الأمم المتحدة، داني دانون، بشكوى تحذر فيه من عواقب ما سيجري يوم الأرض.
وبين هذا وذاك دخلت على الخط وساطة أممية وأوروبية مساندة للوساطة التي تقودها المخابرات العامة المصرية. وكل هذا من أجل محاولة التنفيس عن حالة الاحتقان القائمة في القطاع جراء استمرار الحصار الصهيوني.
ويمكن القول إن الأيام التي سبقت يوم الأرض، شهدت أعلى درجات تبادل التهديدات بين قادة الاحتلال وقادة المقاومة الفلسطينية في غزة.
ولكن كثيراً من المعلقين كانوا يرون أن المواجهة ليست محتومة، وأن اعتبارات كثيرة تدفع كلاً من الكيان والمقاومة إلى محاولة تجنب الصدام.
ولكن التهديدات من الجانبين كانت مطلوبة لاعتبارات داخلية لكل منهما، خصوصاً أن كل ما يجري ليس سوى حلقة واحدة من حلقات المواجهة المستمرة بين المشروع «الإسرائيلي» ومقاومة الشعب الفلسطيني له.
وقد خدمت هذه التهديدات لاحقاً في محاولة تفسير ما آلت إليه الأمور من نتائج على الأرض. فقد أفلحت الوساطة المصرية واتصالاتها المكثفة مع فصائل المقاومة في القطاع في الدفع نحو اتخاذ قرار بضبط مسيرات العودة يوم الأرض والتركيز على سلميتها. وأسهم ذلك في تقليص المواجهات مع العدو وتقليل عديد الإصابات والشهداء في ما عرف باسم «مليونية يوم الأرض»؛ إذ سقط أربعة شهداء وأصيب حوالي 200 فلسطيني.
وجرى اعتبار ذلك نجاحاً لمساعي التهدئة التي يتوقع أن تبرم بشكل نهائي في الأيام القليلة المقبلة، وخصوصاً بعد انتهاء الانتخابات الصهيونية الأسبوع المقبل.
وأوضحت جهات مختلفة، أن ضبط مسيرات العودة في القطاع كان مشروطاً بخطوات عملية لفك الحصار عن القطاع وتقديم تسهيلات معيشية له.
ومن بين التسهيلات موضع النقاش، توسيع منطقة الصيد المسموح للبحارة من القطاع إلى 15 ميلاً بحريا، وزيادة أعداد الشاحنات المسموح بدخولها وخروجها من القطاع لإدخال البضائع وتصدير المنتجات وتسهيلات مالية وتشغيلية أخرى.
وأطلقت جهات «إسرائيلية» وفلسطينية تلميحات بأن يوم الأرض على الحدود، يعد اختباراً للنوايا وتأكيد الوجهة المقبلة إن كانت تصعيداً أو تهدئة. وكما هو واضح، وبالرغم من عدد الإصابات والشهداء، خرج ناطقون فلسطينيون و«إسرائيليون» يلمحون بأن ما جرى أظهر أن وجهة الأمور هي نحو التهدئة.
فقد أمر رئيس حكومة الكيان، بنيامين نتنياهو، فور انتهاء مسيرة العودة يوم السبت الماضي، بفتح المنافذ الحدودية في معبري كرم أبو سالم وبيت حانون وعودة العمل فيهما إلى ما كان عليه في الماضي.
وتوقع معلقون «إسرائيليون»، أن تتخذ الحكومة قرارات بتسهيلات أخرى للفلسطينيين في القطاع بعد انتهاء الانتخابات.
وكان قادة من «حماس»، قد أعلنوا أن الوسيط المصري سيجلب من الجانب ««الإسرائيلي»» جداول زمنية لتنفيذ التفاهمات بشأن التسهيلات.
في كل حال فإن القراءات «الإسرائيلية» والفلسطينية لما جرى مختلفة تماماً. ففي الجانب الفلسطيني هناك من يعتقد بأن إدارة مسيرات العودة بهذا الشكل في ظل إجراء مفاوضات «تحت النار» لفك الحصار عن غزة كانت مجدية. وفي الجانب «الإسرائيلي» وعلى أعلى المستويات جرى تفسير الهدوء النسبي على الحدود وعدم انفلات الوضع يوم السبت على أنه ثمرة للحشد العسكري والتهديد بإعادة احتلال القطاع.
ومهما يكن من أمر فإن التفسيرات في كل الأحوال لا تمنع الجزم بأن ما جرى ليس نهاية المطاف. فالعدوان «الإسرائيلي» المستمر على الشعب الفلسطيني وحقوقه والمقاومة له سوف تستمر طالما لم يحسم هذا الصراع سلماً أو حرباً. وما التهدئة البادية قريباً، إلا نوع من استراحة محارب لفترة يعتقد أنها لن تطول.
بالرغم من أحاديث التهدئة، فإن الصراع العلني والمستتر يبقى قائماً مع العدو ما يستدعي الحاجة إلى توحيد الجهد الفلسطيني لإنهاء الانقسام. فالعدو يسعى للتهدئة في القطاع للتفرغ لمواصلة تهويد القدس ومناطق واسعة في الضفة الغربية. وهذا ما يدفع إلى استمرار الغليان وإلى اعتبار التهدئة مجرد قطرة في بحر الصراع.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"