عادي
يعيد نقل أعماله إلى العربية

محمد عناني: ترجمات الجامعة العربية لشكسبير غير دقيقة

01:42 صباحا
قراءة 5 دقائق

يعكف الدكتور محمد عناني أستاذ الأدب الانجليزي في جامعة القاهرة على إعادة ترجمة أعمال الكاتب المسرحي العالمي ويليام شكسبير والبالغ عددها 36 عملاً، ترجم حتى الآن 15 عملاً منها: عطيل، وماكبث، وهاملت، والملك لير، وروميو وجولييت، وحلم ليلة صيف، وغيرها من مسرحيات.

وفي حوار لنا معه تركز على واقع الحال بالنسبة الى نقل أعمال شكسبير الى العربية ابدى ملاحظاته بشأن ما يشوبها من قصور.

رغم أن جامعة الدول العربية أصدرت ترجمات أعمال شكسبير على مدى سنوات طويلة، لماذا أقدمت على إعادة ترجمتها؟

سأقولها بصراحة وربما للمرة الأولى إن بعض هذه الترجمات ضعيف ولا يرقى على الإطلاق إلى مستوى الأصل لأسباب عدة منها: أن عددا من مترجمي شكسبير في مشروع جامعة الدول العربية لم يكونوا متخصصين في الأدب الانجليزي، بل كان بعضهم متخصصا في الأدب الفرنسي مثل مؤنس طه حسين، أو مدير عام بوزارة المعارف آنذاك مثل مصطفى حبيب، وهؤلاء يسيئون فهم النص على أبسط المستويات وكانوا يقدمون معاني مناقضة للمقصود وقد أطلق عليهم لويس عوض ترجمة مديري العموم.

وكان بعض المترجمين روادا وشعراء كبارا من دون أن يكونوا من أصحاب الأمانة في نقل النص مثل خليل مطران، الذي قبلته جامعة الدول العربية مترجماً، إجلالا لشاعريته ولكن ترجمات خليل مطران على فصاحتها ليست ملتزمة بالأصل الانجليزي لأن مطران كان مديراً للمسرح القومي المصري وكان يريد تقديم هذه النصوص على خشبة المسرح في صورة موجزة، تتطلب الحذف والتعديل وإعادة البناء أحيانا مثلما فعل في ماكبث بصورة مخلة.

واللغة العربية تطورت منذ ثلاثينات القرن العشرين تطوراً هائلاً ولم تثبت بفضل الصحافة إلا في النصف الثاني من القرن العشرين فاللغة كائن حي يتطور ولذلك اقتضى الأمر إعادة الصياغة طبقا للأصل، فما كان يقال بلغة ذلك الزمان، لم يعد صالحاً اليوم فمثلا اسمع ترجمة خليل مطران يقول ماكبث وهو يناجي خيال الخنجر الذي يراه في وهمه: هذا خنجر متجه القبض نحو يدي أنالني منك ما تنضم عليه الأنامل واليوم نقول: دعني أمسك بك أو دعني أقبض عليك. كما كان مطران يقول الخنوص ويعني به الخنزير ويسمي المهرج بهلولاً والسيد غطريفاً.

كذلك كانت الترجمات تصدر بمقدمات لا تليق بشكسبير يكتبها غير المتخصصين فبالله عليك كيف يسمح طه حسين لكروان الإذاعة محمد فتحي أن يكتب مقدمة لترجمة مسرحية لشكسبير وهي بالمناسبة مقدمة مضحكة مبكية ليته ما كتبها وليتها ما انتسبت إلى مشروع جامعة الدول العربية.

وقد تقدم البحث العلمي تقدما مذهلا خلال نصف القرن الأخير في الدراسات الأدبية والنقدية، ولم يعد قارئ اليوم يقبل أن يقرأ نصوص الماضي بالعين نفسها، بل لم يعد يتذوقها بالذائقة الأدبية نفسها، وهذا كله تطلب إعادة النظر في المفاهيم النقدية الموروثة وتقدم هذه النصوص على المسرح في ضوء ما استجد في عالم اليوم من تطور كبير.

ماذا عن ترجمات شكسبير خارج مشروع الجامعة العربية؟

أنجح ترجمة تقدم على المسرح في مصر الآن هي ترجمة مسرحية الملك لير ولم تصدر في مشروع جامعة الدول العربية، ولكن أبدعتها أستاذة متخصصة في الأدب الانجليزي هي الدكتورة فاطمة موسى، عليها رحمة الله، هذه الترجمة تقدم النص بدقة ولغة عربية معاصرة وعبارة سلسة يسهل على الممثلين نطقها وأداؤها على خشبة المسرح كما قدم جلال الشرقاوي ترجمتي لمسرحية تاجر البندقية.

على الرغم من صعوبة اللغة التي استخدمها شكسبير على الانجليز أنفسهم لدرجة أنهم اضطروا إلى استخدام قواميس خاصة بلغة عصره إلا أنك قلت: إن شكسبير لو كتب مسرحياته بالعربية لكتبها كما ترجمتها لماذا هذه الثقة الزائدة؟

هذا صحيح لأن الجمهور في عصر شكسبير كان يفهم تماما ما يقوله شكسبير لأن لغتهم آنذاك كانت مثل لغته. وأنا أتصور أنه إذا ازداد تطور اللغة العربية المعاصرة عما هي عليه الآن بعد عقدين أو ثلاثة، فمن حق أبناء الجيل القادم أن يقدموا ترجمة جديدة، وأقرب شاهد على صدق دعواي ما يفعله الأجانب مع المؤلفات الكلاسيكية العالمية إذ تصدر كل حقبة ترجمة جديدة تخاطب أبناء عصرها، فلدي مثلا خمس ترجمات لمسرحية فاوست الألمانية ترجمت إلى الإنجليزية وقد صدرت على امتداد المائتي عام الأخيرة.

الملاحظ أن معظم الترجمات لأعمال شكسبير جاءت نثرا وليست شعرا لماذا؟

هذا صحيح كل الترجمات السابقة باستثناء ترجمة علي أحمد باكثير ل روميو وجولييت عام 1935 وترجمة محمد فريد أبو حديد لمسرحية ماكبث عام ،1962 كل الترجمات التي تلتزم بالأصل إلى حد معقول منثورة حتى ولو كان الأصل كله شعرا، وأنا احمد الله على أن وهبني منحة النظم، فأستطيع بموهبتي الأدبية التي تجلت في مسرحي الشعري وفي كتابة المسرحية عموما ودواويني الشعرية التي أصدرتها مهما كانت حدود هذه الموهبة، أن أصوغ، فكان شكسبير وصوره صياغة شعرية مطابقة فهي ليست ترجمات بل هي تأليف في تأليف، الشاعر عامر بحيري يكتب شعرا عموديا مقفى وينفث فيه بعض أفكار شكسبير ثم يسميه ترجمة، وقد تعرضت بكل أسف وأنا نادم على هذه الترجمة المزعومة لمسرحية لتاجر البندقية في مقدمتي لترجمته للمسرحية نفسها وأنا اعرب عن أسفي لأنه لا يصح لمترجم أن ينتقد مترجما آخر، ولكن أتحدث من منطلق الأمانة العلمية التي تملي عليّ إحقاق الحق ودرجة ما من الموضوعية التي نفتقدها في هذا العصر.

بناء على استفتاء أجري في نهاية القرن الماضي اعتبر ويليام شكسبير من أهم شخصيات السنوات الألف الماضية واحتل المركز الثالث بعد نيوتن واينشتاين بم استحق هذه المكانة؟

شكسبير قدم عطاء إنسانيا يكاد يناطح برأسه ويشرئب بهامته لقمة العطاء الإنساني لإسحاق نيوتن ولكن ما هذا العطاء؟ إنه الخبرات الإنسانية التي يقدمها في المسرح بمعنى أنه لا يقدم إجابات بل يثير أسئلة ويستحث الناس على التفكير بأسلوبه الذي يجمع القيم الجمالية والجدة في اقتحام مشكلات الوجود وقضايا الإنسان في كل عام.

كيف يمكن كشف النقاب عن سر تعامل شكسبير مع حرفة الدراما؟

كان شكسبير ممثلاً وحياته كلها كانت وقوفاً على المسرح، وقد ولد وترعرع في أحضان الأداء المسرحي وكان من ألمع نجوم الفرقة الملكية ولا يمتلك حساسية الجمهور ولم يكن كاتبا يؤمن بالبرج العاجي أو بمخاطبة أصحاب الرقي الفكري فقط، بل كان يشكل كل ما لديه من أفكار راقية في صورة حية مجسدة يستطيع كل إنسان في أي مكان وزمان أن يتذوقها.

لك تجارب رائدة في ترجمات الأدب تحديدا فما معاييرك الخاصة التي تضعها أمام هذه المهمة في الترجمة عن الانجليزية وإليها؟

القدرة على الوصول للقارئ مع الصحة اللغوية والأمانة المطلقة للأصل.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"