تتوسط فنلندا، في موقعها الاستراتيجي في شمال أوروبا كلا من السويد والنرويج وروسيا. وتحتل عاصمتها هلسنكي، شبه جزيرة مع الجزر المحيطة بها في بحر البلطيق، وهي موطن للقلعة البحرية سوومنلينا التي يعود تاريخها إلى القرن الثامن عشر، فضلاً عن أنها مقر لمتاحف متنوعة. ولكن ما يميز هذه المنطقة المتلازمة مع الصقيع هو إمكانية رؤية الشفق القطبي الشمالي (أضواء الشمال) من محافظة لابلاند في المتجمد الشمالي التي تضم برية واسعة مع المتنزهات الوطنية ومنتجعات التزلج على الجليد.
كن مستعداً للاستمتاع أكثر من خلال رحلة تستغرق أسبوعاً كاملاً تتجول فيها وسط أخاديد هذه الدولة الإسكندنافية الملتوية. وسواء كنت تبحث عن الفنون الرائعة والتصاميم في هلسنكي، أو كنت تغوص في المستنقعات حتى ركبتيك في رحلة قطف ثمار التوت، أو كنت متسكعاً في المخادع بينما الدببة البنية تنخر في البعيد، أو كنت تقوم بالتجديف في مياه البحيرة الصامتة، أو كنت تشاهد الأنوار المتلألئة كما في بطاقات المعايدة، فإن العروض الجذابة والغنية لفنلندا لا يمكن مقاومتها.
- هلسنكي التاريخية
لو ذهبت إليها للمرة الأولى، فسوف يتعين عليك أن تبدأ رحلتك من هلسنكي، حيث يمكنك القيام بذلك خلال يومين، مع أهلها الطيبين، ومبانيها ذات المعمار الجذاب والأجواء الجميلة الهادئة، فإن هذه المدينة البلطيقية تطرق قلبك بلا مقدمات، خاصة في فصل الصيف عندما تكون مقاهيها تعج بالزوار والسياح ومفعمة بالحياة، فقم بتخصيص اليوم الأول لرؤية مركز المدينة مستمتعاً بكاتدرائية هلسنكي الإغريقية ذات الشكل الصليبي البذخي الموجودة بساحة سيناتنتوري، كذلك قم بزيارة معرض أو معرضين في المدينة لمشاهدة الجداريات التي تمثل الملحمة الوطنية «رقصة كليفالا» المزينة لكامل قبة المتحف الوطني، وكذلك نجوم الفن الحديث في متحف كياسما الرشيق ومنسوجات ماريميكو تزين متحف التصميم، ومن ثم خذ استراحة قصيرة لشرب القهوة في مقهى ساكسس الذي يعود تاريخه إلى الخمسينات، مع قائمة الغداء الموسمية الرائعة. في اليوم الثاني، تأرجح عبر المياه على قارب لمدة 15 دقيقة حتى تصل إلى سومونلينا، أكبر قلعة بحرية في العالم، أو ابحث عن المشاهد الفنية الناشئة، والمقاهي العصرية، وبوتيكات الأزهار في بلدة كاليو.
- 187 ألف بحيرة
لا يمكنك الإشارة إلى خريطة فنلندا دون أن يبتل إصبعك في بحيرة من بحيراتها، حيث توجد بها 187 ألف بحيرة، فأرض بحيراتها الجنوبية والمركزية تشكلها المياه كما تشكل الهندسة المعمارية منهاتن. اسأل أي شخص فنلندي عن رأيه في الجنة، سيقول لك إنها تشبه فنلندا، وسوف يصف لك كوخاً صغيراً بجانب غابة تحيط بها بحيرة، وبندقية قديمة وسط أشجار البتولا بأغصانها الراقصة.
ومع بقاء يوم أو يومين في رحلتك، يمكنك اختصاره بالخروج في نزهة إلى البحيرات، توجد سافونلينا الوادعة على مقربة من هلسنكي عبر القطار، حيث تتيح أرصفة حجرية بين الجزر، كما أن هناك قلعة أولافنلينا اللافتة للأنظار، وهي خلفية لمهرجان أوبرا الشهيرة الذي يقام في شهر يوليو/تموز من كل عام، ولو أردت أن تهدئ أعصابك يمكنك الذهاب إلى كوبيو البلدة الواقعة بجانب البحيرة، وإلى الشمال أكثر يمكنك التجوال بمهل وسط الغابات الصنوبرية وهي أكبر حمام ساونا ببخار الكوخ الخشبي في العالم. أو سافر مباشرة إلى تامبيري للاستمتاع بمفاتن البحيرة والأجواء الحضرية العصرية، يجب أن يكون متحف مومين أعلى قائمة الأماكن التي تود زيارتها، حيث يمكنك مقابلة شخصيات تشبه أفراس النهر البلهاء وجهاً لوجه كما في روايات الأديبة السويدية توف جانسون، أما إذا أردت أن تخرج من أجواء الحضر كلياً، قم بالتجوال أو التنزه في منتجع ليننساري الوطني، حيث السياح الذين يحملون حقائب الظهر التي تخفي رؤوسهم من الخلف، كما يمكنك رؤية طيور الفقمة البرية وهي تسبح في مياه البحيرة النظيفة للغاية.
- تنزه وسط الغابات
ما لم تضع قدميك في إحدى غاباتها الواسعة الجميلة التي تمتد عبر 76% من مساحتها، فلا يمكن أن تدعى أنك كنت في فنلندا، إن أهالي فنلندا مولعون بها لتوفر ثمار التوت في فصل الصيف فضلاً عن عش الغراب في فصل الخريف، ناهيك عن هدوئها وأجوائها التي تبعث على الراحة النفسية. مع بحيراتها اللامعة لمعان الزجاج، وأكواخها الخشبية ودببتها البنية التي تتخذ من غابات الصنوبر مخبأ لها، وبنواحيها الشرقية التي لا تصلها الرادارات، في المنطقة المتاخمة لروسيا، فإن أجواءها معتدلة على نحو صاف.
بقاؤك يوماً أو يومين هنا تستطيع تذوق طعم هذا المكان، كما يمكن أن تسرع في التنقل من خلال السفر جواً إلى كاجاني، فمنتصف فصل الصيف عندما تكون الشمس في كبد السماء هو الوقت الذي يمكن فيه مشاهدة الخمسة الكبار الأوربية: الدب البني والذئب، والولفرين، والوشق والظبي. ومع ذلك فإن مراقبة الدببة لا يعلو عليه مشهد، فلو أردت التنزه فأكثر من أحذية التزلج في حقيبتك ومن ثم توجه إلى منتجع كولي الوطني العريق حيث التلال الغابية المعشوشبة، والبحيرات التي ألهمت الكثير من الفنانين الفنلنديين الرومانسيين في رسم لوحاتهم.
- 180 ألف جزيرة
ليس خبراً أن فنلندا موطن لأحد أكبر أرخبيل في العالم، حيث ترسل المنارات وميضها عبر كثبان الرمال البعيدة المحيطة بالساحل، في حين تتباهي فنلندا ب 180 ألف جزيرة صغيرة تغري الحالمين البعيدين، فإن الفنلنديين يحبون أن يكونوا قريبين من المياه، كحبهم التسكع في الغابات الكثيفة، فالعديد منهم يملكون أكواخاً للصيف مبنية من الخشب حيث يمتعون نظرهم بأرجاء البلطيق بين الساحل الغربي والسويد.
- أرض العجائب في الشتاء
هل تتذكر رقائق الثلج التي تتساقط عليك في تلك الإجازات وتفزعك مثل الأطفال؟ إن منطقة لابلاند التي تصل درجاتها قريباً من التجمد هي أرض العجائب، إذ يمكن العثور على المسكن الرسمي لسانتا هنا، فلو أردت أن تستمتع بأجواء المرح إلى أقصى حد يجب عليك أن تذهب إليها أيام تساقط الثلوج، بين أواخر نوفمبر حتى منتصف يناير/كانون الثاني، عندما تصل درجات الحرارة تحت الصفر، هذه هي أجمل أوقات التنزه حيث النار المضرمة بالقرب من الخيمة، مع كأس الشاي أوشراب عصير التوت الساخن المنكّه.
