«انتفاضة واسعة».. عقبة في طرق «خطة الضم»

01:56 صباحا
قراءة 4 دقائق

حلمي موسى

أعلن حزبا الليكود، و«أزرق أبيض» في برنامج حكومة الطوارئ التي اتفقا على تشكيلها أنه في شهر يوليو/ تموز المقبل، يمكن لرئيس الحكومة عرض موضوع ضم أجزاء من الضفة الغربية على الحكومة، و«الكنيست». وتم التوافق على أن تأتي هذه الخطوة كمحصلة للاتصالات الجارية مع الإدارة الأمريكية بهذا الشأن، خصوصاً بعد إعلان هذه الإدارة اعترافها بضم القدس، وهضبة الجولان السورية، المحتلتين. وعلى الرغم من أن اندفاع قادة الليكود، و«أزرق أبيض،» باتجاه الضم جاء بتشجيع أمريكي واضح، فإن كثيراً من الاعتبارات قد تثير خلافات بهذا الشأن داخل الحكومة الصهيونية، وربما مع الإدارة الأمريكية أيضاً.
تنبع الخلافات داخل الحلبة السياسية الصهيونية من تقديرات متباينة بشأن عواقب خطوة الضم، حيث يرى اليمين المتطرف أن الإعلان عن ضم غور الأردن، والكتل الاستيطانية، يمكن أن يمر في ظل إدارة ترامب، ولن يكون ممكناً في ظروف أخرى، ولذلك يجب استغلال الفرصة. وفي المقابل، هناك من يرى أن الإقدام على عملية الضم يمكن أن يُحدث نكسة في مساعي التطبيع مع الدول العربية، وقد يُحدث انكساراً في العلاقات الإقليمية القائمة، خصوصاً مع مصر، والأردن. وعدا ذلك، هناك مخاوف في المؤسسة الأمنية الصهيونية من عواقب هذه الخطوة على العلاقات مع السلطة الفلسطينية، واحتمالات الرد بانتفاضة واسعة.


الإرادة الدولية


ولا يمكن قراءة المشهد «الإسرائيلي» بهذا الشأن من دون الأخذ في الحسبان تطور الموقف الحكومي من الإرادة الدولية. فالحكومات «الإسرائيلية» المتعاقبة كانت على مدار العقود الأخيرة تتنصل من الالتزامات الدولية، كلما وجدت سنداً أمريكياً. وخاضت أمريكا، إلى جانب الكيان، العديد من المعارك في المحافل الدولية المختلفة، وآخرها ضد المحكمة الجنائية الدولية. ومن المؤكد أن حكومة نتنياهو صارت أكثر جرأة في مواجهة الأسرة الدولية، مع تنامي الدعم الأمريكي الصريح لها. وهذا يترك أثره بشكل كبير في ما يمكن أن يحصل في الأشهر المقبلة، خصوصاً إذا احتدمت الخلافات الداخلية بهذا الشأن.
حزب «أزرق أبيض» يخشى من أن اندفاعة اليمين لضم الأراضي لن تغير شيئاً في الواقع، لكنها تزيد من عداء المحيط العربي «لإسرائيل»، وتقلص هامش احتمالها من جانب الأسرة الدولية. ولذلك، فإن أغلبية أعضاء «أزرق أبيض» ليسوا متشجعين لخطة الضم، يضاف إلى ذلك أن الحليف الوحيد ل«أزرق أبيض» في الحكومة، وهو حزب العمل، أو بقاياه، يعلن جهاراً رفضه فكرة الضم، على الأقل في وقت قريب. ومع ذلك، يمكن القول إن اليمين إجمالاً، وبعض أعضاء «أزرق أبيض»، قد يميلون إلى التصويت لصلحة الضم في أي نقاش يجري في الحكومة، و«الكنيست».


بصمة ترامب


ويعتقد قادة اليمين أن فرصة الضم سانحة في عهد ترامب الراغب في ترك بصمته على التاريخ، وفي ظل أزمة «كورونا»، ولكن جهات معنية في الكيان تحذر من عواقب خطوة الضم؛ لأنها أولاً بحسب تقرير لمركز دراسات الأمن القومي في جامعة «تل أبيب» لا تحسّن وضع الكيان الاستراتيجي، ولا قدرته على مواجهة تحديات المستقبل.
والأهم من ذلك، أن خطوة الضم، خصوصاً إذا قادت إلى انهيار السلطة، «ستقوّض حلم دولة «إسرائيل» الأساسي بأن تكون يهودية ديمقراطية، آمنة وأخلاقية تسعى إلى سلام مع جاراتها». ومن المؤكد أن قرار الضم يقوض أيضاً كل إمكانية لإنشاء دولة فلسطينية قابلة للحياة، خصوصاً أن الضم يتعلق أساساً بالمنطقة «ج» التي تشكل نحو 60% من الضفة الغربية، وفيها تقريباً كل الموارد التي يمكن للدولة الفلسطينية أن تعتمد عليها.
وهنا ينتقل النقاش حول هذه المسألة من دهاليز الحكم «الإسرائيلي»، إلى الحلبة الدولية، ومدى تأثيرها في القرار بهذا الشأن. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن واحداً من الاعتبارات المهمة عند مناقشة مسألة الضم يتعلق بموقف الإدارة الأمريكية، ليس الحالية فقط، وإنما المقبلة أيضاً. وهذا يستجلب التفكير في عواقب قرار ضم كهذا، إذا تغيرت الإدارة المقبلة، وانتقلت من الجمهوريين برئاسة ترامب، إلى الديمقراطيين الذين يعلنون من الآن، معارضتهم مسألة ضم أجزاء من الضفة. ولكن هناك أيضاً من يعتقد أن إدارة ترامب نفسها ليست حاسمة في تشجيعها للكيان على الضم في هذا الوقت، وأن لديها اشتراطات ليست سهلة لتأييدها.
وقد نشرت وسائل إعلام «إسرائيلية» تقارير تفيد بأن إدارة ترامب، على الرغم من تصريح وزير الخارجية مايك بومبيو، بأن الضم «قرار «إسرائيلي» داخلي»، تشترط موافقة «إسرائيلية» تامة على صفقة القرن، بما فيها الموافقة على دولة فلسطينية في ما تبقى من أرض الضفة الغربية.
وأشارت إلى أن السفير الأمريكي في «تل أبيب»، ديفيد فريدمان، المعروف بتأييده ل«إسرائيل»، أوضح أن أمريكا تتطلع إلى تطبيق صفقة القرن، وليس إلى تطبيق خطة الضم. ولذلك.موقف الأمم المتحدة
وعدا الخلاف الجزئي مع الإدارة الأمريكية، هناك الموقف الدولي الذي تقفه الأسرة العالمية من عملية الضم.
فقد أعربت الأمم المتحدة مراراً، عن رفضها منطق الضم، وأصرت على أن الأراضي المحتلة عام 1967 أراض فلسطينية محتلة، وهذا هو موقف مجلس الأمن الدولي الذي عبر عنه بالقرار رقم 2334، الذي يؤكد عدم شرعية المستوطنات، بما فيها المستوطنات في القدس الشرقية، وعدم الاعتراف بأي تغيرات في حدود الرابع من يونيو/‏حزيران.
فالمؤسسة الدولية ترفض ضم أي أجزاء من الضفة الغربية، وتعتبر الإجراءات «الإسرائيلية» انتهاكاً للقانون الدولي. وإذا كان اليمين «الإسرائيلي» لا يهتم كثيراً بموقف دول الجامعة العربية، والمؤتمر الإسلامي، ودول عدم الانحياز، فإنه أكثر حساسية لموقف الاتحاد الأوروبي.
وقد أعرب الاتحاد الأوروبي مراراً، عن اعتراضه على ضم الأراضي الفلسطينية المحتلة، أو أية أجزاء منها، وهدد بإجراءات ضد ذلك.
وعلى كل حال، يبدو أن حكومة نتنياهو ستتجه في شهر يوليو/‏ تموز، إلى البدء بخطوات نحو الضم، لكنها لن تكون خطوات مدوية، وستحاول اتباع طريقة تقطيع السلام التي عملت وفقها على مدى العقود الماضية. وطبيعي أن أية خطوات من هذا القبيل، ستعتمد على مدى استقرار الحكومة الجديدة التي لم تر النور بعد.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"