أمريكا اللاتينية.. بؤرة جديدة لـ«الوباء»

01:59 صباحا
قراءة 4 دقائق
د.صدفة محمد محمود *

شهدت الفترة الماضية تزايداً كبيراً في أعداد المصابين والوفيات جراء فيروس كورونا المستجد في أمريكا اللاتينية، على نحو يُنذر بتحول المنطقة إلى بؤرة جديدة لتفشي الفيروس، وهو الأمر الذي يهدد حياة الملايين من سكان المنطقة، ويفاقم من أوضاع التفاوت الاجتماعي، كما يزيد من الضغوط الاقتصادية التي تتعرض لها دول أمريكا اللاتينية.
تكشف بيانات جامعة جونز هوبكنز، الصادرة في 30 إبريل 2020، عن أنه قد توفي ما مجموعه 10551 شخصاً بسبب فيروس كورونا في أمريكا اللاتينية والكاريبي، كما أصاب الفيروس أكثر من 170 ألف شخص في المنطقة. وتعتبر البرازيل الدولة التي لديها أكبر عدد من الوفيات؛ حيث سجلت أكثر من 6 آلاف حالة وفاة، كما كانت الدولة التي سجلت أكبر عدد من الإصابات جراء فيروس كورونا؛ حيث يزيد عدد المصابين على 92 ألف مصاب.
ومن المرجح أن تزيد هذه الأعداد بصورة كبيرة خلال الفترة المقبلة؛ حيث أفاد تقرير صادر عن بنك التنمية لدول أمريكا اللاتينية، بأنه في ظل عدم القدرة على إعطاء استجابة فعالة، وبدون معدات صحية كافية للسيطرة على انتشار فيروس كورونا، وبدون أدوية أو لقاح لعلاج
المصابين، يمكن أن يصل عدد الوفيات بسبب الوباء في أمريكا اللاتينية، ومنطقة البحر الكاريبي إلى 3.2 مليون حالة.


أسباب الانتشار


سجلت أمريكا اللاتينية أول إصابة بفيروس كورونا في شهر فبراير الماضي، ومع ذلك فهناك طفرة ملحوظة في عدد الإصابات والوفيات جراء الفيروس، وهو ما يمكن أن يُعزى لأسباب عدة من بينها:
1-توجهات القادة: كان تبني بعض قادة دول أمريكا اللاتينية توجهات رافضة للالتزام بقواعد التباعد الاجتماعي والتشكيك في خطورة فيروس كورونا، من بين العوامل التي أسهمت في تفشي الفيروس في بعض الدول وفي مقدمتها البرازيل؛ حيث رفض الرئيس جايير بولسونارو، الالتزام بقواعد التباعد الاجتماعي، وهاجم وزير الصحة وحكام الولايات الذين اتخذوا مواقف صارمة لاحتواء فيروس كورونا؛ بل شجع بولسونارو الناس على الخروج لمزاولة العمل، وهو ما دفع بعض مؤيديه إلى النزول للشارع للتظاهر ضد الفيروس.
2- ضعف نظم الرعاية الصحية: تعاني معظم دول أمريكا اللاتينية تدني مستوى خدمات الرعاية الصحية، ونقص الإمكانيات والقدرات اللازمة لمواجهة أزمة في حجم فيروس كورونا، وهو ما يرجع إلى ضعف الإنفاق على الصحة؛ حيث يبلغ متوسط الإنفاق العام على الصحة في أمريكا اللاتينية 3.7% من الناتج المحلي الإجمالي، في حين يبلغ المتوسط في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية 6.6%. ويخشى الأطباء والمتخصصون من أن يتسبب تفشي المرض في أكثر الأحياء هشاشة، في زعزعة النظام الصحي العام، كما يحتج الأطباء بسبب نقص المعدات وأدوات الحماية الشخصية.
3- تدني مستوى الخدمات الأساسية وعدم توفرها: تشهد العديد من دول أمريكا اللاتينية نقصاً حاداً في العديد من الخدمات الأساسية مثل المياه النظيفة والصرف الصحي، خاصة في بعض المناطق الفقيرة والتي يقطنها السكان الأصليون، التي تفتقر إلى الأساسيات اللازمة للنظافة الشخصية مثل الماء والصابون، مما يجعل سكان هذه المناطق أكثر تعرضاً لخطر الإصابة بالفيروس. ويزداد خطر نقل العدوى بين سكان المناطق الفقيرة في أمريكا اللاتينية أو ما يُعرف ب«مدن الصفيح»، بسبب تكدس السكان؛ حيث يعيش العديد من أفراد الأسرة من أجيال مختلفة، تحت سقف واحد، مما يجعل من الصعب الالتزام بتوصيات التباعد الاجتماعي.
4- التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية العميقة: تعاني منطقة أمريكا اللاتينية منذ عقود طويلة من تفاوتات اجتماعية واقتصادية حادة، كما يعيش أكثر من ثلث سكان المنطقة في فقر، ويعمل نحو 55% من السكان في القطاع غير الرسمي، مما يجعل من الصعب على هؤلاء الالتزام بشروط الحجر الصحي؛ حيث يضطرون للخروج إلى الشوارع سعياً وراء الحصول على مصدر للدخل، في ظل عدم إدراجهم في برامج الحماية الاجتماعية.
5- عدم الاستقرار السياسي والأمني: تشهد بعض دول أمريكا اللاتينية حالة من الانفلات
السياسي والأمني والتي تضعف من قدرة الحكومات على الاستجابة بشكل جيد للأزمة الصحية، التي تواجهها دول المنطقة. وتُمثل فنزويلا نموذجاً واضحاً في هذا الإطار؛ حيث تعاني أزمة سياسية حادة في ظل وجود شخصين يدعي كل منهما أنه الرئيس الشرعي للبلاد، وهما: الرئيس نيكولاس مادورو، وزعيم المعارضة خوان جوايدو. إضافة إلى ذلك، تعاني فنزويلا انهياراً اقتصادياً واجتماعياً واضحاً، وبسبب سوء التغذية ونقص خدمات الرعاية الصحية ومياه الشرب النظيفة، فإن سكانها هم أكثر عرضة من غيرهم للإصابة بالمرض.


التداعيات المحتملة


تسبب تفشي فيروس كورونا في مزيد من التدهور الاقتصادي والتوتر الاجتماعي في أمريكا اللاتينية، كما يمكن أن يتسبب بأزمة صحية خطرة، في حال انتشر الفيروس بسرعة وحدثت موجة غير مسبوقة من الوفيات، ومن أبرز التداعيات المحتملة على دول أمريكا اللاتينية ما يلي:
1- تفاقم المشكلات الاجتماعية: وفقاً لبيانات منظمة العمل الدولية فإن فيروس كورونا أدى إلى خسارة أمريكا اللاتينية والكاريبي نحو 14 مليون وظيفة، وتسبب بفقدان 5.7% من ساعات العمل في المنطقة. إضافة إلى ذلك، تُشير تقديرات اللجنة الاقتصادية لأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، إلى أن عدد الفقراء سوف يزيد من 185 مليوناً إلى 220 مليوناً.
2- مزيد من التدهور الاقتصادي: وفقاً لتقرير البنك الدولي من المتوقع أن ينخفض إجمالي الناتج المحلي في المنطقة (باستبعاد فنزويلا) بنسبة 4.6% في عام 2020، في حين توقع صندوق النقد الدولي انخفاض الناتج المحلي الإجمالي في أمريكا اللاتينية بنسبة 5.2% خلال هذا العام، وهو انخفاض أكثر حدة، مما هو متوقع بالنسبة لإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، الشرق الأوسط، وجنوب آسيا.
3- التأثير على الديمقراطية: يمكن أن يكون لانتشار فيروس كورونا تداعيات سلبية على الديمقراطية بالنظر إلى محاولات بعض النظم الحاكمة هناك استغلال هذه الأزمة لقمع المعارضة. هذا إضافة إلى تأثير فيروس كورونا على حقوق المرأة في ظل تصاعد أعمال العنف الموجه ضدها في العديد من دول المنطقة.
وفي الوقت نفسه، يمكن أن تتأثر الديمقراطية بالإيجاب، من زاوية التأثير على الثقة السياسية وتوجهات الناخبين؛ حيث إنه من المتوقع أن تؤثر طريقة تعاطي بعض المسؤولين مع الأزمة في مستقبلهم السياسي، ومدى ثقة المواطنين فيهم.
* باحثة متخصصة في شؤون أمريكا اللاتينية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"