انتخابات أمريكا..رهينة «كوفيد ـ 19»

02:00 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. إكرام بدر الدين *

تشهد الولايات المتحدة الأمريكية في نوفمبر من كل سنة كبيسة، الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي على الرغم من كونها من الشؤون الداخلية الأمريكية بمعنى انتخاب رئيس الجمهورية فإنها تحظى بدرجة كبيرة من الاهتمام الدولي، ويتابعها العالم كله، باعتبار الولايات المتحدة دولة عظمى تؤثر التغيرات التي تحدث داخلها في العالم ككل، وليس فقط في توجهات السياسة الأمريكية.

تتأثر الانتخابات الرئاسية الأمريكية بعدد من المتغيرات والعوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وعلاقات القوى السياسية في الداخل الأمريكي، إلا أنه يبرز على السطح في الانتخابات التي ستجرى في نوفمبر 2020، متغير جديد يطرح آثاره على هذه الانتخابات، وهو وباء كورونا المستجد «كوفيد 19» الذي تفشى في العالم وأصاب الولايات المتحدة، ويطرح تساؤلات متعددة تتعلق بكيفية تأثيره في الانتخابات الرئاسية، وهل يتوقع أن تُجرى في موعدها أم سيتم تأجيلها، وتأثيرها في حظوظ مرشحي الرئاسة الأمريكية في الفوز.


آثار كورونا على أمريكا


تخطت الولايات المتحدة مليوناً ومئتي ألف إصابة بفيروس كورونا، وبذلك تعد من أكبر دول العالم تسجيلاً للإصابة بالفيروس، كما وصل عدد الوفيات إلى حوالي 70 ألفاً، وهو ما يتجاوز وفقاً لبعض التقديرات، الضحايا الأمريكيين في حرب فيتنام التي استمرت عدة سنوات.
وقد تفاوتت نتائج استطلاعات الرأي العام الأمريكي حول تأثير كورونا في الانتخابات الأمريكية، حيث أظهر استطلاع رأي نشرت نتيجته في 28 أبريل 2020، أن نسبة 80% من الأمريكيين يعتقدون أنه من المحتمل أن تؤدي أزمة كورونا إلى تعطيل أو إرجاء الانتخابات الرئاسية في نوفمبر القادم، بينما في استطلاع رأي آخر أجراه مركز «بيو» للأبحاث، كانت النتائج مخالفة، وذكرت نسبة 67% من المشمولين بالاستطلاع أن الانتخابات ستجرى بنزاهة ودقة، كما أعلن الرئيس الأمريكي ترامب في مجال الرد على اتهامات وجهت إليه بأنه سيحاول إحداث تغيير، أو إرجاء موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية أنه لم يفكر في ذلك وليست لديه النية في ذلك، مما يعني أن الانتخابات الرئاسية الأمريكية ستجرى في موعدها دون تأجيل أو إبطاء.


المنطق حول التأجيل


ويمكن التمييز بين وجهتي النظر بشأن تأثير كورونا في موعد إجراء الانتخابات الرئاسية، ولكل منهما منطقه وهما:
1 وجهة النظر الأولى التي تنادي بإجراء الانتخابات في موعدها المقرر وهو نوفمبر 2020، ويأتي ذلك اتساقاً مع الدستور الأمريكي ووفقاً لما جرى عليه الحال في النظام الأمريكي الذي لا يكون فيه من المألوف تأجيل إجراء الانتخابات الرئاسية؛ لأن ذلك يعني زيادة الفترة الزمنية التي يتولى فيها الرئيس مهامه أكثر مما هو مقرر في الدستور وهي أربع سنوات، وهو ما يعبر عن نوع من التجاوز للإجراءات المؤسسية والقواعد التنظيمية التي يألفها النظام الأمريكي، كما يعبر أيضاً عن تغليب إحدى السلطات وهي السلطة التنفيذية (ممثلة في الرئيس الأمريكي) على باقي السلطات الأخرى، وما يمثله ذلك من إخلال بمبدأ الفصل بين السلطات في النظام الأمريكي الذي يعتمد على التوازن والضبط المتبادل بين السلطات، وعدم طغيان إحداها على الأخرى.
2 وجهة النظر الثانية المنادية بتأجيل وإرجاء الانتخابات الأمريكية الرئاسية، وذلك نظراً لوجود ظروف استثنائية تمر بها الولايات المتحدة ويمر بها العالم وتتمثل في تفشي وباء كورونا المستجد الذي يهدد العالم كله، ويخلف آثاره السلبية الخطرة على الولايات المتحدة، حيث تزايد أعداد المصابين وأعداد الوفيات نتيجة هذا الوباء الخطر الذي ينتشر بسرعة شديدة، ويهدد الجميع، لذلك يكون من الأفضل لحماية الأمريكيين من أخطار هذا الوباء إرجاء الانتخابات الرئاسية لفترة من الوقت؛ أي تأجيل موعدها لحين تحقيق مزيد من النجاح في مواجهة الوباء والسيطرة عليه، حتى لا تؤدي العملية التصويتية في الانتخابات الرئاسية إلى زيادة تفشي الوباء في الولايات المتحدة، أو خروجه عن السيطرة.


مستوى معقد


ويمكن في إطار تحليل الرأي القائل بإرجاء أو تأجيل الانتخابات، التمييز بين مستويين: أولهما تأجيل الانتخابات التمهيدية السابقة للانتخابات الرئاسية ذاتها في بعض الولايات، وثانيهما تأجيل الانتخابات الرئاسية. وبالنسبة للمستوى الأول المتعلق بتأجيل الانتخابات التمهيدية، فقد شهدت الولايات المتحدة بالفعل تأجيل انتخابات الحزب الديمقراطي في 15 ولاية أمريكية، بما فيها نيويورك، وكذلك تم إرجاء إجراء انعقاد المؤتمر القومي للحزب الديمقراطي، وهو المؤتمر المسؤول عن تسمية مرشح الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية إلى شهر أغسطس 2020، استناداً إلى الحجج المتعلقة بمكافحة انتشار الوباء.
وثانيهما: وهو المستوى الأكثر تعقيداً والمتعلق بتأجيل الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ألا تُعقد في نوفمبر ويتم ترحيلها إلى فترة لاحقة. وفي تقديري، فإن التأجيل على هذا المستوى الثاني قد يكون احتمال حدوثه شديد المحدودية، للاعتبارات التي ذكرناها من قبل والمتعلقة بالطابع المؤسسي والدستوري للانتخابات الرئاسية الأمريكية، إضافة إلى أنه في حالة استمرار الوباء إلى حين إجراء الانتخابات، فإنه يمكن اتباع أساليب أخرى في التصويت الانتخابي بحيث لا يكون الشكل الوحيد للتصويت هو الاقتراع الشخصي المباشر، حيث يمكن على سبيل المثال التوسع في التصويت الإلكتروني أو التليفوني أو بالبريد، وغير ذلك من الوسائل التي تضمن تحقيق وتنفيذ الاستحقاق الدستوري المتمثل في إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها المحدد، وتضمن في نفس الوقت، الحفاظ على صحة المواطنين الأمريكيين في حالة استمرار الوباء أو استمرار عدم الوصول إلى المصل اللازم لعلاجه، وهو ما يمكن التعبير عنه بعبارة أخرى، بتحقيق درجة من التوازن والتوفيق بين الاعتبارات السياسية والدستورية والمؤسسية من جانب، والاعتبارات الصحية من جانب آخر.
وتمكن الإشارة في النهاية إلى عدم وجود تأثير جوهري لكورونا في النتائج المتوقعة للانتخابات الرئاسية الأمريكية، والتي ستدور بين الرئيس الأمريكي ترامب الذي سيخوض الانتخابات الرئاسية الثانية كمرشح عن الحزب الجمهوري، وبين جو بايدن، الذي يعتبر الأكثر حظاً في فرص الترشح عن الحزب الديمقراطي، ولن يكون لكورونا تأثير سلبي في فرص الرئيس ترامب في الفوز، وخصوصاً بعد أن تجنب كونه مسؤولاً عن انتشار الفيروس في الولايات المتحدة، واتجه إلى تحميل المسؤولية في ذلك لأطراف أخرى كالصين ومنظمة الصحة العالمية.

* أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"