حفظ السر فضيلة

02:39 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. رشاد سالم *

ولما كان الصبر هو حبس النفس على ما يقتضيه العقل والشرع، فإنه خلق من أخلاق الإسلام اكتمل في سيد الأنام،
صلى الله عليه وسلم، الذي وصفه ربه بقوله: «وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ»، وهو أيضاً من خلق المرسلين، «فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ»، وهو أعلى مقامات الصبر، يقول رب العزة: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ». والإنسان لا يمكنه أن يتحلى بخلق الصبر إلا بتوفيق الله له وتقويته عليه، يقول تعالى:«وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ».
ومع أن الله هو الهادي للصبر والموفق إليه، إلا أنه مع ذلك يبشر الصابرين بقوله: «وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ».
والصبر من ألزم الأمور في كل العبادات، وما سمي شهر رمضان بشهر الصبر إلا لأنه يصبر الإنسان فيه على الجوع والعطش والإمساك عن الشهوات المباحة في غير وقت الصوم، لذلك كان جزاء الصوم وفيراً وعظيماً كما جاء في الحديث القدسي: «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به».
والصبر لا يكون صحيحاً ما لم يكن متلبساً بالإخلاص، وهو أربعة أقسام:
- صبر على الطاعة: وذلك بامتثال أوامر الله، عز وجل، مهما تكلف العبد فيها من مشقة أو جهد كالصبر على الصيام والقيام وأداء الفرائض المختلفة.
- صبر على المعاصي: وذلك باجتناب كل ما نهى الله عنه، وكل ما يعرض الإنسان لغضب الله وسخطه كما جاء في الآية الجامعة: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ». وحقاً ما قيل: المجاهد من جاهد هواه، والمهاجر
من هجر السوء.
- صبر على النعمة: بمعرفة مصدرها (فضل الله سبحانه) والعمل فيها بطاعة الله حتى لا تطغي صاحبها أو تنسيه، ورب العزة يقول: «كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى». ومنه دعاؤه، صلى الله عليه وسلم: «اللهم
إني أعوذ بك من فتنة الغنى، وأعوذ بك من فتنة الفقر».
- صبر على البلاء: بالرضا بالقضاء والقدر، وعدم الشكوى أو الجزع واستعواض الله فيما ضاع أو فقد أو نقص من
مال وولد وصحة، قال تعالى:«وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِين * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ». وقال سبحانه: «وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ».
والبلاء في الدنيا للصابرين عليه نعمة خفية لما فيه من اللجوء إلى المولى، عز وجل، ولما فيه من تكفير للسيئات ورفعة للدرجات، أو هما جميعاً.
وقد روي أنه في يوم القيامة، وقبل أن ينصب الميزان أو ينشر الديوان، ينادي مناد من قبل العلي الأعلى:
ليقم من كان أجره على الله فيلهم أناس القيام، ثم يؤمر بهم إلى الجنة فتتعجب الملائكة وتسألهم من أنتم؟
فيقولون: نحن الصابرين، فتفتح لهم أبواب الجنة ويقال لهم:«سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ».
وحين يرى أهل الموقف ما ناله هؤلاء يتمنون أن لو كانت أجسادهم قد قرضت في الدنيا بالمقارض لينالوا مثل ما ناله الصابرون.
وصدق الله العظيم:«إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ».

* مدير الجامعة القاسمية بالشارقة

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"