استراتيجيات نبوية لاقتصاد السوق

ورِقٌ ودين
03:47 صباحا
قراءة 3 دقائق
د.إبراهيم علي المنصوري *

إن المتأمل في سيرة النبي، صلى الله عليه وسلم، يجدها شاملة تؤطر لحياة مجتمعية مستقرة في جوانبها الأساسية. ويُعد الاستقرار الاقتصادي من مفاصل المسلم، إذ يساهم في بناء مجتمع تسوده الطمأنينة، والاستقرار، وقد وضع النبي، صلى الله عليه وسلم، أسساً واستراتيجيات يقوم عليها اقتصاد متين، عصيّ على الأزمات، وتساهم في ثبات الأنشطة الاقتصادية، ونبّه إلى محاذير لو تفشّت في الناس ذهبت بأخلاقهم، وانهارت قيمهم التي تُصلح جميع أحوالهم.

وتلك القواعد عنونّاها في مقالنا ب «استراتيجيات نبوية»، ونبدأها بتحريم الغش، والتدليس، والتغرير، حيث خداع الناس بخلط الرديء بالجيد، وبيعه لتحقيق المزيد من الكسب، فعدّه الإسلام كسباً من حرام. وللغش خطر على التعاملات المالية، وكان النبي، صلى الله عليه وسلم، يوماً يتفقد السوق بنفسه، فمرّ على صُبرة طعام فأدخلَ يدَهُ فيها، فنالت أصابعُه بللاً، فقال: ما هذا يا صاحبَ الطَّعام؟ قال أصابَتهُ السماء يا رسولَ اللَّه.. قال: أفلا جعلتَهُ فوقَ الطَّعامِ كي يراهُ النَّاسُ؟ من غَشَّ فليسَ منِّي.

وهذا ترسيخ لمبدأ الشفافية والصدق في التجارة لنيل البركة فيها، وتحقيق الاستقرار والطمأنينة في المجتمع الاقتصادي.

ومن الاستراتيجيات النبوية المهمة في استقرار السوق، النهي عن الاحتكار، الذي فيه التضييق على الناس، وحرمان أفراد المجتمع من تلبية احتياجاتهم الأساسية، فقد قال، صلى الله عليه وسلم: «لا يحتكر إلا خاطئ».

وفي هذا التوجيه يتبين الضرر الكبير لهذا السلوك المشين، وهو ركيزة في النظام الرأسمالي الحديث، الذي يوقع الظلم، ويسبب الغلاء، والضنك، فالاحتكار حبس ما يحتاج إليه الناس، سواء كان طعاماً، أو غيره، مما يكون في احتباسه إضرار بالناس، وبالتالي خلق سوق مختل غير مستقر.

ولأن الاحتكار وسيلة لتداول المال بين الأغنياء، على حساب الفقراء، فمن واجب المشرع منعه، لتحقيق العدالة المجتمعية، وقد لعن، صلى الله عليه وسلم، المحتكر في قوله: «الجالب مرزوق، والمحتكر ملعون».

ومن الاستراتيجيات النبوية في التجارة النهي عن التسعير في الأحوال التي لا يظهر فيها ظلم التجار، أو انتشار الغلاء، وقد غلا السعر على عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال الناس: يا رسول الله غلا السعرُ فسعّر لنا، فقال: إن الله هو المسعّر، القابض الباسط الرزاق.

ولم يُسعّر، صلى الله عليه وسلم، لأن التسعير سببٌ للغلاء، حيث يكتم البائع بضاعته ولا يبيعها بسبب فرض سعر عليها، فلا يجدها أهل الحاجة حين يطلبونها، فيقومون برفع أسعارها فيقع الضرر، فيتقلب السوق، وينقلب الأمر على التاجر، والبائع.

ومن الاستراتيجيات تحريم مجموعة من البيوع التي تسبب خللاً في السوق، كتحريم بيع النجش، وهو ما يقع في بيوع المزادات، كأن يزيد الرجل في ثمن السلعة ليوهم غيره بأنها تستحق الثمن، فيدفعه إلى شرائها. وكذلك النهي عن بيع الرجل ما لا يملك، أو ما ليس عنده، فقد ورد عن حكيم بن حزام قال: سألت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقلت: يأتيني الرجل فيسألني من البيع ما ليس عندي، أبتاع له من السوق ثم أبيعه؟ قال: لا تبع ما ليس عندك، وقد جعل الفقهاء من شروط صحة عقد البيع أن يكون المبيع موجوداً حين العقد، وأن يكون في ملك البائع، كي لا يشوب البيع غرر، أو جهالة، وكل ما يخل باستقرار السوق.

وغاية التوجيهات النبوية في ضبط السوق حفظ استقراره وانعكاس الطمأنينة والأمن على المجتمع المسلم.

* أستاذ الاقتصاد والمصارف الإسلامية المساعد بجامعة الشارقة

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"