مدينة لندن ومُتعها الكثيرة (1-2)

03:30 صباحا
قراءة 3 دقائق
بقلم: عبدالغفار حسين

لم أسمع أحداً زار لندن، أو يعرف لندن معرفة صحيحة، يقول عنها شيئاً يختلف عمّا نحس به جميعاً، نحن أهل الإمارات، تجاه هذه المدينة العريقة في تاريخها ومجدها وعظمتها وشؤونها، فهي مدينة المتع، ومن أكبر المدن في الدنيا مساحة وسكاناً وصخباً ورونقاً و بهاء. فيها المتاحف التي تحتوي في معظمها على ثقافات كل الشعوب، واستطاع الإنجليز الذين كانت الشمس لا تغرب عن ممتلكاتهم في سالف الزمان أن يجلبوا إلى متاحف لندن كل ما في جعبة حضارات الأمم من تراث ومدنية. ولم يقف الأمر عند الاستجلاب؛ بل حافظوا على هذا التراث الإنساني بالصيانة، وشيّدوا له حصوناً وقصوراً ملء السمع والبصر، ووضعوا هذا التراث في خزائن يراها الزائر مصانة ومحفوظة، كأنها صُنعت ووضِعت في أماكنها منذ أيام قلائل وليس طوال قرون تصل إلى ثلاثة ونَيف من القرون التي خلت.

ونشاهد في هذه المدينة العامرة، مدينة لندن، عاصمة المملكة المتحدة البريطانية، آثار مصر وفارس واليونان والهند والعرب والصين وممالك الشرق الأقصى

وعصور النهضة الأوروبية، بشكل لا تراه العين في أي مكان آخر من حيث الكمية والتنوع في الفنون والآداب والاختراعات والعلوم.

وإذا جئنا إلى مكتبات لندن العظيمة، كالمكتبة البريطانية وما يُماثلها، فإنك تجد بغيتك من أي كتاب أو كرّاس أو وثيقة تُريد الاطلاع عليها أو أخذ معلومة منها، فالمكتبة البريطانية وحدها تحتوي على عشرات الآلاف من مكتوبات ومخطوطات تم تخزينها وترتيبها والعناية بها في مبنى رائع في الرونق وفي الجمال الهندسي..

ويكفي أن أضرب مثلاً واحداً على اهتمام البريطانيين وحسن عنايتهم وأذواقهم الحضارية، وهو أن في هذه المكتبة البريطانية النسخة الوحيدة من مخطوطة مصحف بيبرس، الذي يعود إلى عهد المماليك في القرن الثالث عشر الميلادي، وجاءت هذه النسخة المهداة إلى المكتبة من أحد الهواة، الذين اشتروا مخطوطات من مصر والشام قبل مئتي عام. وعندما نرى هذه المخطوطة الرائعة، نقدر ما تمتع به البريطانيون من ذوق رفيع في الحفاظ عليها من التلف، على الرغم من مرور قرنين على وجودها محفوظة.

وهناك من المخطوطات والمحفوظات ومن القطع الفنية والوثائق والمستندات التاريخية في هذا البلد العريق وفي هذه المدينة العريقة، ما يجعل من الإنجليز في مقدمة كل الشعوب الذين أسدوا للحضارة الإنسانية خدمات جليلة يستحقون عليها التقدير والإشادة.

والعلاقات العربية الأوروبية حسنة نتيجة للمصالح المتبادلة، خاصة مع الجزء العربي الخليجي، لكن علاقة هذا الجزء ببريطانيا علاقة خاصة تقوم على أساس من احتكاك تاريخي قديم يزيد على قرنين ونصف القرن من الزمن.

وإذا أتينا على العلاقات التاريخية بين بريطانيا ودولة الإمارات العربية المتحدة، طوال السنين التي أتينا على ذكرها، فإنها كانت في مجملها ودية، وتقوم على أساس من الصداقة والمصلحة المشتركة.

وما دمنا نتحدث عن العلاقة الحسنة والمصلحة المشتركة بين بريطانيا ودول الخليج بصفة عامة، والإمارات العربية المتحدة بصفة خاصة، فإن عدداً من الباحثين العرب قد خلطوا بين سياسة الاستعمار، الذي كانت تمارسه بريطانيا على بعض الشعوب في الشرق الأوسط، وبين معاهدات الحماية، التي أبرمت مع دول الخليج أو إمارات الخليج العربية، ولم تكن للإدارة في الشأن الداخلي لهذه الإمارات أية علاقة مباشرة بالوجود البريطاني؛ بل كانت هذه الإدارة، بوجه عام، مسألة داخلية، يتولى شؤونها حكام الإمارات أنفسهم بشكل مباشر. ومع ذلك، فإننا نُقِر بأن الوجود الإنجليزي لم يكن وجوداً مساهماً في البنيان والعمران بالشكل الذي أظهره هذا الوجود في أماكن أخرى.

وللحديث بقية يوم غد، إن شاء الله

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"