حقيقة التوبة النصوح

مكارم الأخلاق
02:12 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. رشاد سالم *

إن التوبة التي تعالج الذنب وتمحو أثره هي التوبة النصوح، قال تعالى في سورة التحريم: (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً عسى ربكم أن يكفّر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار)، فما التوبة النصوح؟ إنها مزيج، أجزاؤه ما يلي:

- شعور كامل بقبح الذنب عند الله تعالى.

- امتلاء القلب بالحزن والألم من غضب الله سبحانه.

- تصميم قوي مقرون بالتنفيذ في ترك الذنب في الحال وعدم الرجوع إليه في الاستقبال.

- محاولة التخلص من آثار الماضي قدر الإمكان.

إذا تمت هذه العناصر بدّلت الذنب قربة، والألم لذة، والسيئة حسنة، والظلمة نوراً، والحيرة هداية وتوفيقاً.

قال تعالى في سورة الفرقان: (إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات).

لقد درج كثير من الناس على النطق بكلمات مثل: تبت واستغفرت، ظناً أنه بذلك قد تحققت منه التوبة، لكن التوبة ليست كلمات تقال، أو صوراً ترسم، وإنما هي ندم على ما فرط في جنب الله، ويكون ذلك عقب ارتكاب المعصية والإصابة بالمرض، حتى لا يتفاقم ويتضاعف فيستعصي على العلاج.

قال تعالى في سورة الشورى: (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات)، وقال سبحانه في سورة النساء: (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليماً حكيماً)، وفي هذه الآية شرط الله، عز وجل، في قبول التوبة أمرين: *أن يُعمل السوء بجهالة، أي باندفاع وطغيان وشهوة.

*أن تجيء التوبة في وقت قريب منه.

ولذلك قال سبحانه بعدها: (وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذاباً أليماً)، يا سبحان الله، صنف قطع الله بقبول توبته، وهؤلاء مثلهم كمثل آدم، عليه السلام، قال تعالى في سورة طه: (فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى * فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربه فغوى * ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى).

نعم، لمّا وقع آدم في المحظور بادر بالتوبة، فتاب الله عليه، قال تعالى في سورة الأعراف: «قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين).

والصنف الآخر قطع الله بفساد توبته، وهؤلاء مصيرهم كفرعون الذي استمرأ المعصية، وغرّته دنياه، فلم يبادر بالتوبة حتى أدركه الغرق، قال تعالى في سورة يونس: (وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغياً وعدواً حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين).

تأمل أدب أبي البشرية آدم في توبته، اتسم بصفة العبودية، معترفاً بذنبه، مقراً بأن الله وحده هو غافر الذنوب وقابل التوب.

أما فرعون، فقد اتسم بالكبر والغرور حتى وهو يزعم العودة إلى الله، إذ قال: (آمنت أنه لا إله إلا الذي أمنت به بنو إسرائيل)، ولو كان صادقاً لقال: أمنت أنه لا إله إلا الله الذي خلقني ورزقني، هو ربي ورب العالمين. ولذلك لم يقبل الله توبته، وكان الجواب الإلهي: (الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين * فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيراً من الناس عن آياتنا لغافلون).

اللهم ارزقنا توبة كتوبة أبينا آدم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

* مدير الجامعة القاسمية بالشارقة

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"