أوروبا.. بين تخفيف العزل والخوف

03:39 صباحا
قراءة 4 دقائق
بهاء محمود

ولايات ألمانية عدة وتظاهرات احتجاج على العزل بسبب كورونا، ذلك في الوقت الذي تخفف دول أوروبية كثيرة قيود الحظر الصحي. ألمانيا بدأت مبكراً، فيما كانت السويد تغرد خارج السرب، وإيطاليا ينتابها الخوف وفرنسا مترددة.
على الرغم من التحذيرات من موجة ثانية لكوفيد- 19، قررت الدول الأوروبية رفع الحظر تدريجياً عن مواطنيها. اختلفت الدول من حيث درجات التخفيف ونوعه والزمن المسموح به وحرية الحركة فيما لم تكن هناك قيود كبيرة في السويد، على عكس جارتها الدنمارك. ألمانيا رفعت الحظر نسبياً في الأسبوع الثالث من إبريل. وفي التوقيت الحالي تعد أعلى الدول انفتاحاً للدرجة التي تستأنف فيها دوري كرة القدم مع الأخذ في الحسبان الاحتياطات الصحية. في أوروبا الشرقية بولندا قامت بفتح الفنادق والمراكز التجارية. أما الجنوب في إيطاليا وإسبانيا البؤر الأخطر في أوروبا والعالم بعد أمريكا. قسمت إيطاليا إجراءاتها على ثلاث مراحل بدأت في 4 مايو؛ حيث استئناف البناء والتصنيع. والسماح للمطاعم بتقديم خدمات الوجبات السريعة المحدودة. ثم في 18 مايو تتم إعادة افتتاح متاجر التجزئة والمتاحف، لتبدأ المرحلة الثالثة في 1 يونيو عبر فتح الحانات والمطاعم وصالونات الشعر.
بالنسبة لإسبانيا في 28 إبريل أعلن رئيس الوزراء بيدرو سانشيز عن خطط للعودة إلى «الوضع الطبيعي الجديد» على مدى الأسابيع الثمانية التالية، مع اتخاذ تدابير تعتمد على درجة العدوى وتختلف حسب المنطقة. في 2 مايو تم السماح للناس بالخروج للتنزه والتمارين الرياضية. تلى ذلك السماح لبعض الشركات بالفتح على مستوى الدولة عن طريق التعيين، كما سمح للبارات والمطاعم بتقديم الوجبات الجاهزة التي تم طلبها مسبقاً. في هولندا تم فتح المدارس الابتدائية جزئياً، وكذلك استئناف
الرياضة الجماعية وفق تباعد آمن، يلي ذلك في 2 يونيو القادم التفكير في فتح الجامعات.


إحصاءات كاشفة


من الدوافع التي يبررها القادة الأوروبيون في فك القيود هو تراجع معدل الإصابات من جانب، مع التفكير العملي في ضرورة التعايش مع كورونا لحين إيجاد عقار. في إسبانيا لم تسجل حالات جديدة حتى صباح 11 مايو، كما لم تعلن عن حالات وفاة، إيطاليا أيضاً لم تبلغ في ذات اليوم عن معدلات إصابات جديدة أو وفاة؛ بل أبلغت عن خروج ما يزيد على 4 آلاف حالة من العزل. من الدول الأخرى التي لم تبلغ عن حالات جديدة فرنسا وألمانيا وهولندا والبرتغال والسويد، في الوقت الذي سجلت بلجيكا 51 حالة وفاة ونحو 368 إصابة جديدة. فيما تراوحت الوفيات الأخرى ما بين حالة وحيدة في إستونيا و17 حالة في أوكرانيا. بالنسبة للحالات الحرجة بلغ الإجمالي نحو 14 ألف حالة، في مقدمة الدول فرنسا بنحو 2776 حالة حرجة من إجمالي 94 ألف حالة نشطة، وأقل دولة لديها حالات حرجة هي مونتينيجرو (حالتان فقط). تكشف الأرقام السابقة دلالات عدة أهمها تراجع معدل الإصابات نتيجة لقيود الحظر، والقدرة النسبية للأنظمة الصحية في أوروبا على مواجهة كورونا بنسب شجعت القادة على التفكير في فك الحظر تدريجياً.


دوافع اقتصادية


من زاوية أخرى يظل الاقتصاد هو الضاغط الأكبر على كاهل الجميع في العالم وليس أوروبا فقط؛ حيث يتعرض نحو 60 مليون عامل في أوروبا لخطر البطالة نتيجة توقف الأعمال. وغير ذلك من مخاطر اقتصادية على الصناعة وبقية القطاعات الأخرى. فوفقاً لدراسة أجريت على مبيعات التجزئة في أوروبا خلال الفترة ما بين 9 مارس و21 إبريل، قدرت الخسائر بنحو 3.26 مليار يورو، في مقدمة الدول ألمانيا بخسارة قدرها 728 مليوناً. فيما انخفض مؤشر مديري المشتريات في إيطاليا وفرنسا وإسبانيا وألمانيا بشكل لم يبلغ مثيله منذ 11 عاماً. فيما يصف الاقتصاديون أن ألمانيا وفرنسا وإيطاليا- أكبر ثلاثة اقتصادات في الاتحاد الأوروبي- تمر بركود أسوأ من الذي أثارته الأزمة المالية لعام 2008. فيما أعلنت شركة إيرباص عن خسائر صافية بقيمة 481 مليون دولار، وتحتاج حركة النقل الجوي إلى عامين أو ثلاثة لتستعيد المستوى الذي كانت عليه قبل كورونا وفق ما أعلن المدير التنفيذي لشركة «بوينج»، ديفيد كالهون.
من جانب آخر من المتوقع أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي لألمانيا بنسبة 5.5% فيما قد تصل النسبة في إيطاليا 13%.


دوافع أخرى


في سياق مواز، وبدلاً من أن يقرب الحظر والتباعد الاجتماعي بين روابط الأسر، لاسيما في ظل دوامة العمل اليومي، أعلنت منظمة الصحة العالمية، أن الاتصالات بالخطوط الساخنة لمكافحة العنف الأسري في أوروبا، زادت 60%. فيما صرح المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في أوروبا، هانز كلوج، بأن التوتر والقلق الناجمين عن قيود العزل على مدار أسابيع مضت، جعلا من عدم اليقين والانعزال والخوف، جزءاً من الحياة اليومية للكثيرين، مستشهداً بتقارير من بلدان مثل بلجيكا وبلغاريا وفرنسا وأيرلندا وروسيا وإسبانيا وبريطانيا، حول زيادة العنف الأسري، خاصة ضد المرأة والطفل. علماً بأن نسب البلاغات عن العنف الأسري زادت كثيراً مقارنة بالعام الماضي. هذه الأرقام كاشفة لمعدلات خطر، أسهمت في التفكير بجانب الاقتصاد في تقليل قيود الحظر عن المواطنين.


ثلاثة سيناريوهات


مع وجود احتمال موجة ثانية لكورونا تضرب أوروبا، تبدو هناك عواقب محتملة، نتيجة التخلص التدريجي من سياسات الحظر والتباعد الاجتماعي. يكمن الخطر مبدئيًا في عودة الحياة الطبيعية دون الأخذ بالاحتياط والتزام التدابير الصحية. خاصة أن الأنظمة الصحية ليست متساوية . من هنا أمام أوروبا ثلاثة سيناريوهات، الأول يتمثل في عدم وجود لقاح أو علاج فعال وبسبب استمرار انخفاض مستوى مناعة السكان، مما يسبب ارتفاعاً في معدلات المرضى والوفيات نتيجة ضعف خدمات الرعاية الصحية من كثرة الإصابات، كما حدث في مارس الماضي 2020 في العديد من دول الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة. السيناريو الثاني هو التوصل لعلاج فعال قريباً، والتعامل مع الفيروس مثل الأمراض العادية الأخرى في ظل قدرة الشركات والمصانع الأوروبية على إنتاجه سريعاً بحسب الاختبارات والتجارب السريرية الحالية. السيناريو الثالث يتلخص في التعايش الآمن مع الفيروس وفق احتياطيات صحية وسياسات تباعد اجتماعي وتقليل حركة السفر وقيود الاختلاط. في المجمل تعد الخطوات الأوروبية محفوفة بالمخاطر والنجاة منها ذات نسب ليست كبيرة. وبالتالي الرهان على وعي المواطنين ومناعة القطيع مرة أخرى ربما لن تجدي نفعاً دون تدخل قبضة الدول الأوروبية وعودة الدولة القومية حاكمة بشدة على المواطنين في تلك الأزمة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"