بريطانيا.. صحوة «برلمانية» تجاه فلسطين

03:41 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. محمد فراج أبو النور

البيان السياسي الذي أصدره 130 نائباً بريطانياً بإدانة إعلان «إسرائيل» نواياها لضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية لنهر الأردن إلى السيادة «الإسرائيلية»، هو بيان يتسم بأهمية كبيرة، ليس من زاوية عدد الموقعين عليه والوزن السياسي الكبير لأغلبهم فحسب؛ بل أيضاً من زاوية الموقف الحازم للبيان تجاه السياسة التوسعية «الإسرائيلية» من الضفة الغربية، وما تمثله من إجهاض لأي إمكانية للتوصل إلى تسوية سياسية بين السلطة الفلسطينية و«إسرائيل».
بين الموقعين على بيان إدانة «إسرائيل» اللورد ياتين، الرئيس السابق لحزب المحافظين، وأندرو ميتشيل وزيرة التنمية الدولية السابقة، وعدد من الوزراء السابقين عن حزب المحافظين الحاكم، وغيرهم من النواب البرلمانيين المنتمين إلى مختلف الأحزاب البريطانية، وقد صدر البيان أصلاً في صورة رسالة موجهة إلى رئيس الوزراء بوريس جونسون بمبادرة من «مجلس تعزيز التفاهم العربي البريطاني». وتدعو الرسالة رئيس الوزراء إلى فرض عقوبات اقتصادية على «إسرائيل»، في حالة قيامها بضم الأراضي الفلسطينية، وهو موقف أكثر تقدماً من الموقف الرسمي للحكومة البريطانية، الرافض أيضاً للنوايا «الإسرائيلية» المعلنة بهذا الصدد.
وشددت الرسالة على ضرورة الرد المناسب على أي تحرك «إسرائيلي» في الضفة الغربية، معتبرة أن الخطط «الإسرائيلية» غير شرعية من وجهة نظر القانون الدولي، وأنها تمثل ضربة قاتلة لفرص السلام بين «الإسرائيليين» والفلسطينيين، استناداً إلى حل الدولتين.


رفض رسمي


كانت الحكومة البريطانية أيضاً، قد أعلنت قبل ذلك رفضها لمخططات «إسرائيل»، وشاركت عبر سفيرها في تل أبيب، مع 9 سفراء آخرين ينتمون إلى الاتحاد الأوروبي، في تقديم احتجاج رسمي إلى الخارجية «الإسرائيلية» على الإعلان عن نوايا ضم الأراضي الفلسطينية، وهم سفراء ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا وهولندا والسويد وبلجيكا وأيرلندا، إضافة إلى سفير الاتحاد الأوروبي.
وقد عبر الاحتجاج الأوروبي بوضوح عن رفض المخططات «الإسرائيلية» تجاه الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، وأشار إلى ما تتضمنه من انتهاك للقانون الدولي، وخطر على حل الدولتين، وهذا في حد ذاته موقف إيجابي، خاصة إذا ما قورن بالموقف الأمريكي، لكن من الضروري ملاحظة أن البيان الأوروبي لم يستخدم الصياغة الحازمة التي استخدمها بيان البرلمانيين البريطانيين، كما أنه لم يُشر إلى أي عقوبات يمكن اتخاذها في حال إقدام تل أبيب على تنفيذ مخططاتها الإجرامية، ولا تفوتنا أيضاً ملاحظة أن وزير الخارجية البريطاني لم يدلِ بتصريح حول هذه القضية الخطرة، كما أن بوريس جونسون لم يعلق على الرسالة الموجهة إليه بتوقيع عدد كبير من ممثلي النخبة السياسية في بلاده منذ أكثر من أسبوع.


تطوير الموقف البريطاني


وعلى الرغم من التاريخ الأسود للاستعمار البريطاني في إنشاء ودعم «إسرائيل»، فإن رسالة النواب البريطانيين ال130 إلى جونسون، في إطار مبادرة «مجلس تعزيز التفاهم العربي البريطاني» تسلط الضوء على ظاهرة مهمة نلاحظ انتشارها في المجتمعات الديمقراطية، تعني وجود منظمات وحركات سياسية وثقافية واجتماعية «ولوبيات» داعمة لقضايا مختلفة، ويمكن أن تمارس ضغوطاً على الحكومات لتعديل مواقفها سلباً أو إيجاباً تجاه تلك القضايا بدرجات متفاوتة طبعاً، حسب قوة هذه التجمعات، وحسب اهتمام الأطراف صاحبة المصلحة، وعلى العرب عموماً التحرك في المجتمع المعني، وعدم إهمال هذه التجمعات والقوى.
ويتسم المجتمع البريطاني بوجود اهتمام واسع بالشؤون العربية و«الشرق أوسطية» وبالقضية الفلسطينية،ووجود قوى وشخصيات رافضة للسياسات التوسعية والعنصرية والعدوانية التي تنتهجها «إسرائيل».


أصدقاء كثيرون


وفي مقدمة هذه القوى «مجلس تعزيز التفاهم العربي البريطاني» الذي تبنى مبادرة توجيه الرسالة محل مناقشتنا، والذي حشد لها عدداً كبيراً من البرلمانيين وذوي الوزن المؤثر.
ويمكن أيضاً أن نشير إلى وجود حركة واسعة للتضامن مع الشعب الفلسطيني، ومعاداة العنصرية «الإسرائيلية» في صفوف أساتذة الجامعات البريطانيين، الذين يتخذ مئات منهم موقف المقاطعة مع الجامعات «الإسرائيلية»، ورفض أي تعاون معها، باعتبارها داعمة للمجهود الحربي والسياسات التوسعية العنصرية ل«إسرائيل»، وحركة المقاطعة هذه، هي حركة قديمة نسبياً تعود إلى بداية القرن الحالي.
كما أن مجلس الاتحاد العام لطلاب الجامعات البريطانية، قرر منذ عام 2015 الانضمام إلى الحركة الداعية لمقاطعة «إسرائيل» وهي حركة تضم عدداً من المنظمات الجماهيرية، ومعروفة باسم BDS. وأصدر الاتحاد بياناً وصف فيه الاحتلال «الإسرائيلي» لفلسطين بأنه غير شرعي، ولا يفرض الاتحاد على جميع منظماته تبني هذا القرار، غير أن الجامعة البريطانية تشهد باستمرار أحداثاً لطرد أساتذة «إسرائيليين» من جامعات مختلفة، أو مقاطعة منظمة لمحاضراتهم.وعموماً، فإن المنظمات المكونة ل«BDS» تتبنى الدعوة لمقاطعة «إسرائيل» وبضائعها، وتجد هذه الحركة صدى طيباً في عدد من المنظمات الجماهيرية والنقابية وأوساط المثقفين، ولا يمكن أن يكون بيان كالذي وقعه البريطانيون ال130 منقطع الصلة بكل هذه الأنشطة طبعاً.
والحقيقة، أنه لو قامت الدول العربية أو حتى بعضها بتقديم دعم منتظم، سياسي ودبلوماسي وإعلامي لكل هذه المنظمات، لكان دورها في التأثير على الساحة البريطانية أكبر وأكثر وضوحاً، على الرغم من كل الاعتبارات المعاكسة، أفلا يمثل هدفاً يستحق الجهد، منع دولة كبرى كبريطانيا من نقل سفارتها إلى القدس؟ أو من تأييد بسط السيطرة «الإسرائيلية» على مزيد من أراضي الضفة الغربية؟ بالتأكيد يستحق.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"