عقاب «الجنائية الدولية» يقترب من «إسرائيل»

03:40 صباحا
قراءة 4 دقائق
حلمي موسى

أثار مكتب المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية غضب الحكومة «الإسرائيلية» من جديد عندما رد بتقرير من 60 صفحة على ملاحظات أصدقاء المحكمة بالتأكيد على وجود أساس معقول لبدء التحقيق في الحالة الفلسطينية وامتلاك المحكمة الولاية القضائية في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وفي قطاع غزة. وعنى هذا الرد أنه خلافاً للادعاءات «الإسرائيلية» التي وجدت تأييداً لدى بعض الدول، فإن فلسطين، وفق القانون الدولي، تعتبر دولة ذات ولاية على الأراضي المحتلة عام 1967. ويربك هذا الإعلان في هذا الوقت مخططات حكومة الاحتلال للإعلان بتشجيع أمريكي عن قرارات ضم جديدة تحت غطاء تنفيذ صفقة القرن.
أبدت أوساط «إسرائيلة» مختلفة ارتياحاً لتحفظات إجرائية أبدتها الدائرة التمهيدية في المحكمة الجنائية تجاه تقرير المدعية العامة، فاتو بنسودة، بشأن نيتها بدء التحقيق في حالة فلسطين. وتركزت تلك التحفظات حول طول التبريرات المعروضة وضرورة اختصارها. ورأت أوساط مناصرة للكيان أن هذا يدلل على تردد المحكمة في الخوض في هذه الحالة بسبب قوة المعارضة الأمريكية و«الإسرائيلية». ولكن سرعان ما تبين أن انضمام دول مناصرة للكيان إلى ما يعرف ب«أصدقاء المحكمة» لم يمنع بنسودة من التمترس في موقفها الرافض للترهيب. وأعلنت بنسودة في ردها على الملاحظات أنها تملك الصلاحية لبدء تحقيق في جرائم حرب ارتكبها الكيان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأن فلسطين دولة. وكانت بنسودة قد أعلنت هذا الموقف في نهاية العام الفائت عندما قدمت طلبها الأول من المحكمة لفتح التحقيق الأولي الذي كان يفترض أن يستمر 120 يوماً. وكما سلف أجلت المحكمة هذا التحقيق الأولي بسبب طول تقريرها الأول وطالبت باختصاره بما لا يزيد على 110 صفحات وهو ما تم نهاية شهر أبريل وبدأت المحكمة بمناقشته تمهيداً للقرار بشأن الولاية القضائية.


ادعاءات تشويه السمعة


وردت حكومة الكيان على إعلان بنسودة الجديد عبر الوزير يوفال شتاينتس، الذي يركز نشاطاته ضد المحكمة الجنائية الدولية، بأن «رأي المدعية العامة يواصل تبني سياسة العداء الصريح ل«إسرائيل»، بتأثير من منظمة الدول الإسلامية وحركات BDS في أرجاء العالم». وحسب شتاينتس فإن «تجاهل المدعية لرأي عدد من كبار خبراء القانون الدولي في العالم يعكس إصرارها على المساس بدولة «إسرائيل» وتشويه سمعتها. ولذلك فإنها تعيد صياغة قواعد القانون الدولي وتخترع دولة فلسطينية، حتى قبل انتهاء العملية السلمية والمفاوضات «الإسرائيلية»- الفلسطينية. و«إسرائيل» ستواصل التفاخر بواقع كونها الديمقراطية الليبرالية الوحيدة في الشرق الأوسط وسترفض بشدة المحاولات العبثية للإساءة لسمعتها والمساس بجنودها ومواطنيها».
وبدلاً من التركيز على القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة بهذا الشأن في الرد على نية بنسودة فتح تحقيق في الحالة الفلسطينية، عمدت «إسرائيل» إلى استخدام أساليب التشهير والالتفاف. وهذا ما تم التلميح له بشأن ارتباطها بالمؤتمر الإسلامي ومنظمات BDS.
ومن المؤكد أن إصرار بنسودة على فتح التحقيق في جرائم الحرب في الحالة الفلسطينية، وهي ذات صلة بالاستيطان والجدار الفاصل والحروب المتكررة على الشعب الفلسطيني خصوصاً في قطاع غزة يتسم بأهمية فائقة اليوم أكثر من أي وقت مضى. فالحكومة «الإسرائيلية» الجديدة، بتشجيع من إدارة ترامب، تتطلع إلى سن قوانين ابتداء من يوليو المقبل لضم أجزاء من الضفة الغربية. وموقف المدعية العامة يضيء الكثير من المصابيح الحمراء في أعلى مستويات قيادة الاحتلال التي وإن أبدت استخفافها العلني بخطر المحكمة الجنائية الدولية إلا أنها تخشى العواقب الفعلية.


خطوة واحدة


وقد حذرت قانونية عسكرية «إسرائيلية»، هي العميد احتياط راحيل دولف، في مقالة نشرتها في صحيفة «معاريف» من مغبة تجاهل المحكمة الجنائية الدولية عند الحديث عن قرارات ضم أجزاء من الضفة الغربية. وكتبت أن «من المهم فتح عيون الزعماء والجمهور إذ إن المسؤولين والمواطنين «الاسرائيليين» يقفون على مسافة خطوة من تخوف حقيقي بمثولهم أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. الضم، أي بسط القانون «الاسرائيلي» على مناطق أو مستوطنات في «يهودا والسامرة»، يمكنه أن يكون القشة التي ستكسر ظهر البعير. هكذا سينشأ مبرر لاجراءات قانونية دولية يتم الامتناع عنها منذ أكثر من 50 سنة في المنطقة».
وليس صدفة أن الفلسطينيين رحبوا بشدة بإعلان بنسودة وتحدثت بعض منظماتهم الحقوقية عن أن المحكمة الجنائية الدولية تمثل «الأمل الأخير لمحاسبة من ألحق الضرر بالضحايا الفلسطينيين، حيث من المهم اتخاذ خطوات لوضع حد لإفلات «إسرائيل» من العقاب». وأثنى المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان على بنسودة وموقفها الذي أعلن رغم الضغوط الشديدة من جانب أمريكا والكيان، وطالب الأسرة الدولية بدعم جهود المدعية العامة لتحقيق العدالة.


قرار الدائرة التمهيدية


ورغم التأييد العربي الواسع لبنسودة إلا أن القرار النهائي بشأن فتح التحقيق في الحالة الفلسطينية سيرتكز بشكل أساسي إلى قرار الدائرة التمهيدية في المحكمة والمنتظر صدوره قريباً. وإذا كان الرد إيجابياً وغير مشروط فإن عجلة القضاء الدولي ضد الكيان ستبدأ في الدوران ولو ببطء وستشكل إزعاجاً كبيراً لمساعي حكومة «إسرائيل» سن قوانين لضم أجزاء من الضفة الغربية. وليس أقل من ذلك أنها ستشدد القيود على تحركات القادة السياسيين والعسكريين الصهاينة ممن كانوا يتصرفون بحرية في الاعتداء على الشعب الفلسطيني وأرضه. ولكن إذا تأجل صدور القرار مرة أخرى في هذه الظروف فقد يشجع ذلك أمريكا و«إسرائيل» على مواصلة الاستهتار بالقانون الدولي.
في كل حال، كان موقف بنسودة شجاعاً في إصرارها على تبني موقف الأسرة الدولية القانوني بشأن فلسطين، وتأكيدها بأن حملات التشويه «الإسرائيلية» التي تستهدف المحكمة وحياديتها لن تؤثر على مجريات التحقيق. وشددت بنسودة في بيان أصدره مكتبها على أن تحقيقها بشأن فلسطين سيجري بشكل محايد ومستقل وأنها ستواصل عملها من دون تراخ تمسكاً بنظام روما الأساسي الذي انضمت فلسطين إليه.
ولا يمكن في هذا الحال سوى التأكيد على أن اللجوء إلى الجهة القانونية الدولية هو استمرار للنضال الوطني الفلسطيني بوسائل أخرى تكمل ما يجري على الأرض ولا ينبغي أن تكون بديلاً له.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"