«بيئة الأجداد» صحية بالفِطرة والابتكار

سكن وسكينة
02:56 صباحا
قراءة 3 دقائق

إعداد: أمل سرور

كان الأجداد بإلهامهم وصبرهم وذكائهم يستعملون مواد صديقة لبيئتهم دون انتظار محاضرات وفعاليات وورش توعية، ولا قوانين وغرامات تفرض عليهم عدم التعرض للبيئة التي تحتضن بيوتهم البسيطة، بل ساقتهم قلوبهم الطيبة للحفاظ على المكان الذي يحتضنهم.

قواعد اجتماعية وأعراف، أنشأت علاقة جميلة مع بيوتهم وأدواتهم التي يحتفظون بها ويحافظون عليها مثل أطفالهم تماماً، فأدوات الصيد القديمة كانوا يصنعونها بأيديهم ومن خامات صديقة للبيئة، وأغلبها من المواد العضوية القابلة للتحلل، ومنها الحبال وأقفاص الصيد وهي القراقير، ولم يكن الأجداد يحملون معهم ما يمكن أن يضر بالأسماك، وعندما يخرجون بصيدهم إلى الشواطئ، فإن أعمالاً أخرى تبدأ من أجل تلك البيئة، ومنها مثلاً عدم رمي مخلفات تقطيع السمك على الأرض، لأنها سوف تتسبب بجذب الذباب والحشرات وتسبب روائح كريهة، ولذلك كان يتم استخدام جزء منها كسماد عضوي لأشجار الحمضيات، والجزء المتبقي يتم التخلص منه بالطمر وهو يتحلل بسرعة كما أنه مفيد للتربة، لأنهم يعمدون لتجفيفه قبل الطمر.

الشجرة

في البيئة الزراعية أيضاً، تتجلى ممارسات أجدادنا في الحفاظ على نظام بيئي متوازن، إذ كانوا يستخدمون كل ما له علاقة بأجزاء الشجرة في حياتهم اليومية، إلى جانب اهتمامهم المعروف بأجزاء شجرة النخيل، ولكن بقية أنواع الأشجار حين يتخلف عنها السيقان التي تخفف عن الشجرة والورق المتساقط، ويتم تحويله إما إلى أعلاف مثل جذوع الموز، أو لقطع صغيرة توضع في وجبة «المغبرة» وهي وجبة عشبية تطهى لإطعام البقر، أو أنواع أخرى من الأغصان والورق تتحول إلى سماد بعد أن تصبح رماداً بعد حرقها.

وكانوا يعملون بمفردهم في مزارعهم، لأنها صغيرة بالعادة، ومن يملك مزرعة كبيرة ويملك أيضاً بعض المال يمكنه استئجار عمال يساعدون على إنجاز أعمال مزرعته أو المزارع التي تعود له، وكان يسمون «بيادير» وهو المصطلح الشعبي الذي يطلق على عمار المزارع.

أما عن المخلفات قديماً، فكانوا يحولونها إلى علف غذائي يدر الكثير من اللبن من الأبقار والماعز، لأنه في العادة يكون عبارة عن خليط من بقايا التمور ونوى التمر المتبقي بعد تناولهم للتمور ويسمى «فلح»، إلى جانب ورق الشجر ومواد عضوية متعددة، ويتم تحويلها لوجبة يطلق عليها «فخاره»، وهي عبارة عن ورق الشجر مثل الليمون والصخبر والقصب وفلح التمر «نوى التمر» والسح «التمر» والجاشع «السمك المجفف» أو يسمى «السهك»حتى قشر الموز والشوع. وبالنسبة للحياة اليومية كانت المخلفات شبه معدومة، فالحياة كانت بسيطة والاحتياجات كانت مقصورة على الأساسيات فقط، حتى الملابس لم تكن بالكميات الهائلة التي عليها اليوم، ولذلك

كان الأجداد في قديم الزمان يجمعون المواد التي تكون من النوع القابل للحرق وتستخدم في الأفران التي يتم صنع الوجبات الغذائية اليومية عن طريقها.

نواة الأنشطة

في ظل البيئة الصحراوية القاسية التي عاشها الأجداد كانت المرأة البدوية بشكل خاص نواة للعديد من الأنشطة التي أبدعت فيها رغم قساوة البيئة، وقد حاولت إبراز مدى أهميتها داخل مجتمعها وإصرارها وصبرها وإبداعها في مجالات عدة من ضمنها المجال الصناعي والتجاري.

فالجدة تغزل الوبر في رقة وجمالية لتصنع منه الخيمة، التي هي بيتها، وبيت مجتمعها الصحراوي بشكلها الهرمي، الذي يتسع لمختلف الأغراض، ويجمع أهلها وضيوفها وهي الوحدة الأساسية المكونة ل«لفريك» مجموعة من الخيام التي تجاور بعضها البعض سواء لسبب قرابة أو وجود مراعي أو لقرب المياه. وبذلك لا تكون الخيمة وحدة للاستقرار المادي فحسب، وإنما تجسد إطاراً قوياً للعلاقات الاجتماعية والعائلية، فإن قيل: خيمة أهل فلان، تعني أسرتهم الصغيرة أو الكبيرة، وإذا قيل فلان تخيَّم أو استخيم فمعناه تزوج.

وكانت المرأة تبدع أيضاً في صنع الأغطية والوسائد والأواني التي كانت تنسب وتحافظ على بيئتها، مثل الفرش المزركشة لإضفاء لمستها الأنثوية التي تعطي لفرش بيتها الأناقة والتميز، اَلْحَصَائِرْ، «الويش» الذي يستعمل كمفرش للصلاة، و«الحنبل» و«الكطيفة» كلها أغطية يدوية لا تسبب أي أمراض أو حساسية من تلك التي نسمع عليها عبر هذا الزمن.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"