إنه الإيمان

مكارم الأخلاق
02:34 صباحا
قراءة دقيقتين
د. رشاد سالم *

لقد انتهت معظم الآراء في أوروبا وأمريكا إلى وجوب المناداة بالعودة إلى الدين؛ لأن التطور المادي الذي لم يصحبه سند من روح، تطوّر خطر لا غاية له إلا الخراب والدمار. ولأن النفوس قد أفسدها الطمع والجشع، والشَّرَه والأنانية، فهي أَحْوَجُ ما تكون إلى إصلاح وعلاج ليسود المجتمع المودة والرحمة والمعاونة والإيثار والسماحة والمروءة.
وهذه الفضائل لا مصدر لها إلا الدين والإيمان. وليس من دين سوى دين الإسلام يستطيع تقديم هذه الفضائل الإنسانية، وهو ما لم يقل به المسلمون وحدهم، وإنما قال به المنصفون من علماء الغرب الذين درسوا الإسلام ووقفوا على حقائقه.
يقول جولد زُيُهر: إنه إذا أردنا الإنصاف ينبغي أن نؤمن بأن في منهج الإسلام قوة صالحة توجه الإنسان نحو الخير، وأن الحياة المتفقة مع التعاليم الإسلامية حياة أخلاقية لا غُبَارَ عليها.
نعم، فالإيمان هو الذي يهذب الحياة ويرقيها، ويصل بها إلى المدنية الحقة، ويبلغها ما تنشده من الخير والتقدم، وما تستهدفه من الحق والعدل. به ينعم الفرد، وتسعد الجماعة وتحيا فى ظله الحياة الطيبة.
إن الإيمان إذا سكن فى قلب وتغلغل في أعماقه حوّل اتجاهه وغيّر نظرته للكون والحياة، وقوم سلوكه مع الله والناس.
هل أتاك حديث سحرة فرعون الذين قص القرآن علينا قصتهم؟ كيف تغيرت شخصياتهم؟ كيف انقلبت موازينهم؟
كانت هممهم مشدودة إلى المال، قال تعالى في سورة الشعراء: «قالوا لفرعون أئن لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين * قال نعم وإنكم إذًا لمن المقربين».
وكانت آمالهم منوطة بفرعون، قال تعالى في السورة نفسها: «فَأَلْقَوْا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون».
هذا منطقهم قبل أن يؤمنوا، فلما ذاقوا حلاوة الإيمان كان جوابهم على تهديد فرعون ووعيده لهم أن قالوا فى بساطة ويقين، كما في سورة طه: «لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض، إنما تقضي هذه الحياة الدنيا.إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير و أبقى».
بعد أن كان همهم الدنيا صار همهم الآخرة، وبعد أن كانوا يحلفون بعزة فرعون صاروا يقولون «والذي فطرنا».
سبحان الله، تغير الاتجاهُ والسلوكُ والمنطقُ والألفاظُ، أصبح القوم غير القوم، وما ذلك إلا من صنع الإيمان الذي يهيئ النفوس لتقبُّل المبادئ الخيّرة مهما يكن وراءها من تكاليف وواجبات، وتضحيات ومشقات.
نعم، إنه الإيمان !

* مدير الجامعة القاسمية بالشارقة

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"