الاحتلال يدفع السلطة نحو الإفلاس

02:31 صباحا
قراءة 3 دقائق
حافظ البرغوثي

«إسرائيل» مصممة على تركيع السلطة مالياً بمصادرة أموالها مباشرة أو عن طريق محاكم «إسرائيلية».

بدأت سلطات الاحتلال سلسلة خطوات لتركيع الفلسطينيين اقتصادياً ومالياً، بالتزامن مع جائحة الكورونا، ومساعي ضم أجزاء حيوية من الضفة، بدعم أمريكي واضح. ولعل سلطات الاحتلال تدرك أن الوقت مناسب دولياً وعربياً وفلسطينياً وأمريكياً لإثخان الفلسطينيين قمعاً وتجويعاً، وصولاً إلى إجبارهم على الاستسلام والرضوخ للمطالب الأمريكية «الإسرائيلية». وقد هددت سلطات الاحتلال البنوك العاملة في الأراضي الفلسطينية ودعتها إلى إغلاق حسابات أسر الشهداء والأسرى لديها. ورضخت بعض البنوك، ليس منذ اليوم بل منذ فترة طويلة، لهذا الأمر، قبل أن تفرضه «إسرائيل»، ولكن تحت ضغوط أمريكية على البنوك. واضطر البنك العربي إلى خوض معركة قضائية في أمريكا ضد دعاوى أقامها أمريكيون زعموا أن أقرباء لهم من حاملي الجنسية المزدوجة قتلوا في عمليات في فلسطين، وأن البنك متهم بأنه نقل أموالاً إلى أشخاص وجماعات وصفوها بالإرهابية. وهناك دعاوى أمريكية ضد مصارف أخرى، ما يعني أن الأمر العسكري الذي وزعه قائد قوات الاحتلال في الضفة مؤخراً أرهب البنوك التي كان بعضها أغلق حسابات أسرى في السابق، مثلما حدث قبل سنتين مع عائلة مروان البرغوثي، حيث رفض أحد البنوك فتح حساب لابنته، وأغلق حسابات مكتبه وأفراد عائلته، لكن الأمر لم يُحدث ضجة في حينه. وقد جعل الأمر العسكري الجديد، وتهديد البنوك بغرامات باهظة، وسجن المسؤولين فيها، بعض البنوك تقفل حسابات كثير من الأسرى وعائلات الشهداء.

وفي السياق نفسه أصدرت محكمة «إسرائيلية» حكماً لصالح قتلى «إسرائيليين» في عمليات مقاومة بتعويضهم ما يوازي 14 مليون دولار من أموال السلطة المحتجزة لدى الاحتلال. وكان الكنيست أقر قبل أكثر من سنة قانوناً ينص على مصادرة 11 مليون دولار شهرياً من أموال السلطة كانت تدفعها لأسر الشهداء والأسرى وبلغ مجموع ما يحتجزه الاحتلال حتى الآن قرابة 200 مليون دولار، كما أن محكمة «إسرائيلية» قضت بتغريم السلطة 14 مليون دولار لصالح العملاء والجواسيس الذين فروا إلى داخل فلسطين بحجة تعرضهم للقمع. هذه الأحكام التي تجد طريقها للتنفيذ، وكذلك الأمر العسكري، يثبتان أن السلطة الفلسطينية لا تتمتع بأية حصانة، وأن الاحتلال يخضعها عملياً لحكمه العسكري، وكل ما اتفق عليه في أوسلو تبخر عملياً. بمعنى آخر يسعى الاحتلال لخلق شكل جديد من السيطرة على الأراضي الفلسطينية، بحيث تلغى بالكامل كل التفاهمات السابقة وإعادة تشكيل السلطة وفقاً لصفقة القرن كسلطة حكم ذاتي محدود بلا أي نوع من السيادة.

بالطبع لم تستطع السلطة مواجهة إجراءات الاحتلال بالنوع نفسه من الإجراءات، كأن ترفع دعاوى أمام المحاكم الأمريكية ضد جمعيات استيطانية يهودية أو ضد أمريكيين ممن يحملون جنسية أمريكية «إسرائيلية» مزدوجة يعيثون فساداً في الضفة ويقتلون الفلسطينيين من دون عقاب، لأنهم يظهرون ك«إسرائيليين»، ولكن عندما يتعرضون للانتقام، يقال إنهم أمريكيون ويطالب أهلهم في أمريكا بالتعويض. وكذلك فإن بعض البنوك فشل في التعاطي مع هذه القضايا بعد اتهامه بنقل أموال في مرحلة سابقة لظهور قانون منع الإرهاب وتمويله في أمريكا نفسها. فالبنوك تقاعست عن مواجهة الإجراءات في المحاكم الأمريكية، خاصة أن الكونجرس هو الذي اتخذ قرار وقف المساعدات للسلطة على خلفية صرفها مخصصات للأسرى وأسر الشهداء قبل أن تتخذه «إسرائيل» نفسها. وكما أشرنا، فإن الاحتلال مصمم على تركيع السلطة مالياً بمصادرة أموالها مباشرة أو عن طريق محاكم «إسرائيلية» وأمريكية، خاصة أن الضرائب التي تجبيها سلطات الاحتلال عن الواردات عبر المعابر لحساب السلطة تشكل ثلثي الدخل العام للموازنة الفلسطينية في غياب الدعم المالي عربياً ودولياً في ظل الجائحة، وانخفاض أسعار النفط، وقد اضطرت السلطة إلى الاقتراض من البنوك لسد العجز ودفع الرواتب. ويقال إن الخطوة التالية للاحتلال هي ملاحقة السفارات الفلسطينية ومخصصاتها ومصادرتها للقضاء على أي أثر دبلوماسي لمشروع الدولة الفلسطينية في العالم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"