حوار السخرية المبطنة

05:21 صباحا
قراءة دقيقتين
يوسف أبو لوز

من الحوارات الثنائية الطويلة التي تحولت إلى كتب يحضر في البال الحوار الذي أجراه الصحفي الكولومبي «بلينو ابوليو مندوزا» مع جابرييل جارسيا ماركيز، وصدرت طبعته العربية الأولى في العام 1985 عن دار منارات في العاصمة الأردنية عمّان بعنوان «رائحة الجوّافة».

ليس كل ما نريد أن نعرفه عن ماركيز موجوداً في هذا الحوار، فهو يغطي جانباً من حياة صاحب «مئة عام من العزلة»، ولعلّه الجانب الأول من حياته عندما كان صحفياً شاباً، ومراسلاً لإحدى الصحف الكولومبية في باريس، ومع ذلك، فللحوار قيمة ثقافية عالية.. أولاً لاتساعه وشموليته، وثانياً لرحابة الحوار وحميمّيته إذا ما عرفنا أن ثمة صداقة كانت تربط بين الصحفي والروائي. «رائحة الجوّافة، ترجمة فكري بكر محمود إلى العربية».

من أجمل ما في هذا الحوار - الكتاب.. الصور الفوتوغرافية لماركيز، ومن بينها صورة له وهو في الثانية من عمره، وسيكون أوّل سؤال من جانب الثانية من عمره، وسيكون أوّل سؤال من جانب مندوزا لماركيز حول علاقته بجدّه.. ويذكر صاحب «الحب في زمن الكوليرا» كيف فقد جدّه إحدى عينيه.. «..كان يرنو إلى حصان أبيض جميل من نافذة مكتبه عندما شعر فجأة بشيء في عينه اليسرى، وضع يده فوقها وفَقَدَ بصره دون أن يشعر بأي ألم».. ويقول.. «..لم يتبق شيء في يده سوى الدموع..».

حوار مُطّول آخر بين أدونيس مواليد 1930 وبين فاتح المدرّس 1922 - 1999 أحد عباقرة الرسم في القرن العشرين، وبالطبع، هو ليس حواراً صحفياً، بل هو حوار صديقين، أو بوح صديقين جرى على مدى أربعة أيام في منزل الفنانة منى أتاسي صاحبة الفضل في توفير ظرف رفاقي حميم ليخرج هذا الحوار في شكل كتاب يتألف من أكثر من 150 صفحة، صدر في العام 2009 عن جاليري أتاسي، وبقدر ما هو حوار بين شاعر ورسام هو أيضاً قطعة أدبية شهيّة.

لا منهج للحوار، كما يقول أدونيس غير البحث والتساؤل ولا غاية إلاّ الكشف والضوء.

في اليوم الأول تحدث الشاعر والرسام عن الطفولة والحب والصداقة.. ما معنى الصداقة بالنسبة لك؟.. يسأل أدونيس. يجيب فاتح المدرس: ليس هنالك شيء اسمه صداقة، وليس هنالك شيء اسمه حب، يقول أودنيس: لنبق الآن في الصداقة، يقول المدرّس: إنهما مرتبطان ببعضهما ويشبهان بعضهما البعض.

في اليوم الثاني: يسأل أدونيس.. إلى من تشعر بأنك أقرب:.. إلى فنان قوي يناقضك، أم إلى فنان ضعيف يقلّدك؟ يجيبه المدرّس: أرفض الاثنين.

في اليوم الثالث: يتساءل المدرّس.. هل تستطيع أن ترسم الشجاعة؟.. هل تستطيع أن ترسم الحب؟ وفي اليوم الرابع: يسأل أدونيس.. ما الصحراء؟.. يجيب فاتح المدرّس: مكان عبادة مهجور أتوق إليه دائماً.

حوار الندّ للندّ، بل حوار فيه الكثير من التحدي، والسخرية المبطنة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"