«الضوء الأصفر».. هل يُرجئ «الضم»؟

03:31 صباحا
قراءة 4 دقائق
حلمي موسى

مع تشكيل الحكومة «الإسرائيلية» الجديدة التي كان أحد أهم عناوين إنشائها، الاتفاق على مناقشة مشروع ضم أجزاء من الضفة الغربية في يوليو المقبل، بدأت سياسة الغموض تجاه هذه المسألة. فالأمريكيون الذين جاهروا، سواء عبر تصريحات وزير الخارجية مايك بومبيو أو مقابلات السفير ديفيد فريدمان، بتأييد مبدأ ضم الأراضي، خففوا من شدة هذا التأييد مؤخراً.
ووفق ما نشرت عدة صحف أمريكية، فإن الضوء الأخضر الأمريكي الممنوح لقرار الضم تحول في هذه الآونة إلى أصفر. وهذا يعني أن ما كان يبدو قابلاً للتحقيق خلال أيام وأسابيع، قد يتطلب وقتاً أطول لأسباب مختلفة.
الموقف الذي أعربت عنه الخارجية الأمريكية بعد انتهاء زيارة مايك بومبيو الطارئة للكيان، واجتماعه برئيسي الحكومة «الإسرائيلية» الحالي بنيامين نتنياهو، واللاحق بيني جانتس، لم يتضمن أي إشارة لقرار الضم. وفي هذه الأثناء حذر الملك الأردني، عبدالله الثاني من أن ضم الكيان لأجزاء من الضفة الغربية سيؤدي إلى «صدام كبير» مع الأردن. وكانت هذه إشارة كافية إلى أن النظام العربي لن يتقبل قرار الضم بالسهولة التي كانت تتوقعها إدارة ترامب. ولذلك أعلنت الخارجية الأمريكية من جديد أن «الضم قرار إسرائيلي»، ولكن المناقشات بشأنه «يجب أن تكون جزءاً من رؤية الرئيس ترامب، وجزءاً من المحادثات بين «إسرائيل» والفلسطينيين». وأضافت: «سنواصل الضغط على الفلسطينيين لقبول الخطة، فلم نفقد الأمل».
وفسرت صحيفة «واشنطن بوست» هذا التعديل في الموقف الرسمي الأمريكي بوجود أسباب قوية لدى الرئيس ترامب «لتقييد حكومة نتنياهو الجديدة»، حرصاً ليس فقط على إنجاح خطته للسلام، وإنما أيضاً على فرص بقاء الكيان آمناً ومستقراً على المدى البعيد.
وأشارت الصحيفة إلى إيمان كثير من المسؤولين الأمريكيين السابقين بأن الضم «سيجعل التوصل إلى اتفاق سلام مستحيلاً» . كما أشارت إلى موقف العديد من كبار القادة الأمنيين «الإسرائيليين» الذين يرون ألا حاجة للكيان لقرار الضم الذي يجلب مخاطر ولا يحقق إنجازات فعلية خصوصاً في ظل السيطرة العسكرية الميدانية.


سياسة الضغوط


وهكذا يبدو أن مسألة الضم كانت ولا تزال جزءاً من سياسة الضغط الأمريكية «الإسرائيلية» على السلطة الفلسطينية لإجبارها على التعاطي مع صفقة القرن. ولكن إصرار السلطة الفلسطينية حتى الآن، على رفض الخضوع لهذه الضغوط خلق معطيات مستجدة بالنسبة للإدارة الأمريكية؛ بل وللحكومة «الإسرائيلية». فاتفاق تشكيل الحكومة «الإسرائيلية» الجديدة، أشار إلى حق رئيس الحكومة في عرض مسألة الضم على المجلس الوزاري والكنيست ابتداء من يوليو المقبل. واشترط جانتس في هذا الاتفاق ألا يعرض الأمر إلا «بالتوافق مع الإدارة الأمريكية».
وقد نشرت صحيفة «معاريف» تقريراً أظهر القلق «الإسرائيلي» من تهديدات السلطة الفلسطينية بشأن قطع العلاقات مع الكيان. وبحسب هذا التقرير، فإن محافل أمنية في الكيان ترى أنه خلافاً للتهديدات السابقة من جانب السلطة حول قطع العلاقات والتنسيق الأمني، فإنها هذه المرة جادة أكثر. وهناك انطباع بأن السلطة تعيش في ضائقة حقيقية إزاء الجمهور الفلسطيني، الذي من ناحيته يعد ضم المناطق خطوة تغير الواقع في المنطقة. وعدا عن ذلك، أشارت الصحيفة إلى أنه على الرغم من التصريحات حول الضم، لم تطلب الحكومة من الجيش إعداد ورقة موقف في الموضوع، تتضمن التداعيات الأمنية المحتملة على الوضع في الأراضي المحتلة وعلى العلاقات مع الأردن.
ومن الجائز أن الاندفاع إلى عرض مسألة الضم باستعجال كانت جزءاً من المعركة الانتخابية لنتنياهو ليس مع خصمه «أزرق أبيض»، وإنما أساساً مع خصمه اليميني، «يمينا» بزعامة نفتالي بينت.
وواضح أنه مع تشكيل الحكومة الجديدة نجح نتنياهو في إبعاد بينت عن الحكومة، وبالتالي قلل من نفوذه وأهميته السياسية. وبحسب المعلق حيمي شاليف في «هآرتس»، فإن من سيكون ترامب حليفه ليس بحاجة إلى بينت، وهذا يضعف الإلحاح الداخلي على الضم المستعجل ويترك الأمر لترامب وللإنجيليين المتعصبين في أمريكا.


قلق أوروبي


وفي تقرير لمعهد السياسة والاستراتيجية «الإسرائيلي»، جرى إثبات أن خطة الضم تمس بالأمن القومي «الإسرائيلي». فالضم يضعضع الاستقرار على الحدود الشرقية مع الأردن، وسيقود إلى التفكك التدريجي للسلطة الفلسطينية وسيضعف فرص تحقيق السلام مع الدول العربية.
وعدا ذلك، فإن الضم سيضر بالمكانة الدولية للكيان في ضوء المواقف المعلنة للاتحاد الأوروبي ولكثير من دول العالم التي تتبنى موقف الأمم المتحدة والشرعية الدولية. ولكن الموقف في الساحة الداخلية «الإسرائيلية» سيختلف؛ لأن الضم يجلب معه أيضاً مزيداً من العرب، وهذا ما يلحق الضرر بمبدأ الدولة اليهودية.
في كل حال أبدى الاتحاد الأوروبي قلقه من نية حكومة نتنياهو ضم أراض فلسطينية جديدة، وناقش عدة طرق لمعاقبة الكيان على مثل هذه الخطوة. وتعرض أوساط مختلفة وجود تأييد متزايد لدول الاتحاد لفرض عقوبات لردع الكيان عن الإقدام على خطوات كهذه. ومعروف أهمية موقف الاتحاد الذي يعتبر الشريك التجاري الأكبر للكيان والحليف الأقرب جغرافياً له. وإذا كان الكيان لا يخشى مواقف الأمم المتحدة بسبب الدعم الأمريكي، فإنه يخشى جداً الموقف الأوروبي نظراً لهامش استقلاليته الواسع عن الإدارة الأمريكية.
ولا يمكن طبعاً تجاهل أن تعديل الموقف الأمريكي نبع أيضاً من مواقف دول الجامعة العربية التي أعلنت أن ضم مناطق في الضفة الغربية سيعتبر «جريمة حرب».


الأمن القومي


على كل حال، من المهم الإشارة إلى أن الإدارة الأمريكية، وإن تجاهلت المواقف العربية والدولية، لا يمكنها أن تتجاهل المواقف الصادرة عن قادة أمنيين «إسرائيليين» يرون في ضم غور الأردن والكتل الاستيطانية خطراً وجودياً على الكيان.
وقد كتب الجنرال عاموس جلعاد، الذي أدار لفترة طويلة السياسة «الإسرائيلية» في الأراضي المحتلة، في يديعوت مؤخراً أن خطة الضم «ضربة من شأنها أن تلحق شديد الضرر بالأمن القومي «لإسرائيل»، جراء ضعضعة الاستقرار على الحدود الشرقية». كما أن افتتاحية «هآرتس» طالبت جانتس بأن «يعرض موقفاً لا لبس فيه، وأن يوضح لبومبيو أن الضم هو خطر وجودي على «إسرائيل».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"