«حرب الكورونا».. حقيقة أم تضليل؟

03:29 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. رضا محمد هلال *

مع تزايد أعداد المصابين والوفيات يومياً في الولايات المتحدة، نتيجة فيروس كورونا، تستعر الحرب الإعلامية الأمريكية على الصين، ومنظمة الصحة العالمية، واتهامهما بأنهما وراء تنامي المعاناة الأمريكية من هذا الفيروس، والعدو الدامي الذي فاقت خسائرها البشرية منه مجموع خسائرها في حرب فيتنام، التي استمرت لعقدين من الزمن.
يمكن رصد تطورات التوتر بين الصين والولايات المتحدة على النحو التالي:
1- محاولة إدارة ترامب البحث عن مبررات للقصور في السيطرة على المرض، ومنها اتهام الصين بتعمّد إخفاء ومحاولة طمس أدلة الترصد الوبائي، التي تقدم بها الطبيب «لي وين ليانج»، واتهامه بنشر شائعات عبر الإنترنت، بعد أن نشر تحذيرات مبكرة في 30 ديسمبر 2019 من انتشار نسخة متطورة من فيروس كورونا، واستمرار السلطات الصحية الصينية بعدها في اتّباع سياسة الإخفاء، في محاولة منها للسيطرة على الأوضاع الصحية لديها، علاوة على قيام ترامب في 15 مايو بالتهديد بتجميد الحوار والتفاوض مع القيادة الصينية وتفكيره في اتخاذ تدابير عقابية أو انتقامية من الصين بما فيها قطع العلاقات نظراً «لمواقفها المخيبة للآمال»، خلال أزمة تفشي فيروس كورونا. كما اتهمت إدارة ترامب منظمة الصحة العالمية بسوء إدارة أزمة الوباء، نتيجة لتأخر المنظمة الدولية في
التحذير من الفيروس خشية من إزعاج الصين التي نجحت وفقاً للمزاعم الأمريكية في فرض هيمنتها وسيطرتها على المنظمة لخدمة مصالحها وأهدافها لدى الدول النامية؛ وقررت إدارة الرئيس ترامب التوقف عن تسديد اشتراكاتها المالية السنوية للمنظمة والتي تقدر بنحو 400 مليون دولار سنوياً قبل أن تعلن في ما بعد أنها تدرس إعادة التمويل بنسبة 10%؛ وهو ما دفع الصين ودولاً أخرى إلى جانب المنظمة للتفكير في مصادر بديلة للتمويل الأمريكي.
2- فشل آليات التنسيق الفيدرالي الأمريكي وهشاشة الروابط والاتصالات بين شبكات الإنذار الوبائي الأمريكية وصانعي القرار في إدارة ترامب، فقد تجاهلت إدارة ترامب الإنذارات الأولية الصادرة من وحدة الاستخبارات الطبية لتحذير الحكومة الأمريكية من خطر انتشار فيروس كورونا المستجد قبل إعلان منظمة الصحة العالمية بأسبوعين، حيث وجهت الوحدة يوم 25 فبراير الماضي، تحذيراً إلى مسؤولي وزارتي الدفاع والصحة من أن الفيروس المستجد سيصبح جائحة عالمية في غضون 30 يوماً،
وسيتسبب بحدوث أزمة صحية كبرى للقوات الأمريكية في الخارج وللمواطنين الأمريكيين بالداخل.

إدارة الأزمة

- في مواجهة الاتهامات الأمريكية المتتالية والمتزايدة، نجحت الصين في إدارة أزمة كورونا مع الولايات المتحدة على عدة محاور من أهمها: المستوى العالمي حيث أسهم انتشار فيروس كورونا، في التأكيد على المكانة المحورية للصين وتسليط الضوء على اعتماد الدول الغربية الكبير عليها فيما يتعلق بإمداداتها الطبية وتقديم نفسها على أنها تخوض الحرب العالمية ضد فيروس كورونا وحدها، دون الإشارة إلى أي تعاون أمريكي، إلى جانب قيامها بإعادة إحيائها لمبادرتها المعروفة ب«طريق الحرير الصحي»، التي سبق أن طرحتها في عام 2017، كجزء من جهودها الرامية إلى تعزيز مكانتها كقوة صحية عالمية، خاصة بعد قيامها بتقديم المساعدات والمعدات الطبية لكثير من الدول الأوروبية والنامية، التي هي في أشد الحاجة إليها، وهو ما يجعل من أزمة فيروس كورونا فرصة ثمينة لا يمكن للصين التخلي عنها بسهولة لتوكيد صعودها لساحة النظام العالمي الجديد متعدد الأقطاب.
- اليسار المتطرف الصيني في مواجهة اليمين المتطرف الأمريكي: بدءاً من 13 مايو 2020 برز للسطح توجهات ونوايا العناصر والشخصيات القومية المتطرفة أو الراديكالية على الجانبين الأمريكي والصيني، وبما يعزز فرص الصدام والصراع الشامل بين الدولتين وتحفيز القيادة في المعسكرين على تبني سياسات عدائية وانتقامية في مواجهة الطرف الآخر. فعلى الجانب الأمريكي قام أعضاء الكونجرس من الحزب الجمهوري، وفي مقدمتهم السيناتور ليندسي جراهام وتوم تيليس وسيندي هايد سميث ومايك براون وريك سكوت وستيف داينز وتود يونج وجيم إينهوف وروجر ويكر، برعاية مشروع قانون من شأنه أن يفوض الرئيس ترامب بفرض سلسلة من العقوبات على الصين، إذا لم تتعاون بالكامل مع أي تحقيق في تفشي الفيروس بقيادة الولايات المتحدة وحلفائها أو إحدى المنظمات التابعة للأمم المتحدة، مثل منظمة الصحة العالمية، وزعم الأعضاء أنه «بدون خداع الحزب الشيوعي الصيني لم يكن الفيروس هنا في الولايات المتحدة»، وأنه حان الوقت للرد على الصين ومحاسبتها باعتبارها «أكبر دولة راعية للأوبئة»، ووفقاً للتشريع الجديد سيكون ترامب مفوضاً بفرض عقوبات مثل: تجميد الأصول، وحظر السفر، وإلغاء التأشيرات، ومنع الشركات الصينية من الإدراج في البورصات الأمريكية، وتقييد المؤسسات المالية الأمريكية من تقديم القروض أو الاكتتاب للشركات الصينية. وتواكب مع ما سبق قيام مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة الأمن الداخلي بإصدار بيانات بتجهيز لوائح اتهام عدد من المتسللين والجواسيس المدعومين من الحزب الشيوعي الصيني بمحاولة سرقة الأبحاث الأمريكية في اللقاحات والعلاجات المحتملة والاختبارات للفيروس.

البديل الصيني

وطرح الجانب الصيني بديلين لا ثالث لهما أمام الإدارة الأمريكية؛ الأول ويتعلق بتلبية دعاوى بعض الصقور المنادية بإعادة مراجعة الاتفاقية التجارية مع الولايات المتحدة، استعداداً لإجراء محادثات جديدة، حيث أظهرت عمليات تقييم الصقور داخل الحكومة لاتفاق المرحلة التجارية الأولى مع الولايات المتحدة، لم تكن في صالح الصين، ومن ثم فإنهم يطرحون إمكانية إبطال الاتفاقية التجارية والتفاوض على أخرى جديدة لإمالة الموازين إلى الجانب الصيني.
أما البديل الثاني، فهو المضي قدماً في تحسين العلاقات الثنائية وتجاهل دعاوى التطرف على الساحتين الأمريكية والصينية، وتوكيداً لهذا المسار اعترفت الصين على لسان المسؤول في اللجنة الوطنية للصحة ليو دنج فنج بأنها أمرت مختبرات غير حكومية بتدمير عينات من الجائحة، خلال مراحل مبكرة من تفشي المرض، وبررت هذا التصرف بالرغبة في درء الخطر على السلامة البيولوجية في المختبرات ومنع الكوارث الثانوية الناجمة عن مسببات الأمراض غير المحددة، كما قررت السلطات حينها تصنيف الوباء ضمن الفئة الثانية للأمراض الشديدة، وفرض متطلبات السلامة البيولوجية على جمع العينات، والنقل والأنشطة التجريبية، بالإضافة إلى تدمير العينات. وتوكيداً لهذا المسار أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية تشاو ليجيان في 15 مايو 2020 أن الحفاظ على التطور المطرد للعلاقات الصينية- الأمريكية، يخدم المصالح الجوهرية للشعبين، ويؤدي إلى السلام والاستقرار العالميين، ويتعين على الدولتين مواصلة تعزيز التعاون ضد الوباء والقضاء عليه في أقرب وقت ممكن، وعلاج المرضى، واستعادة الاقتصاد والإنتاج، وهو ما يتطلب من الولايات المتحدة أن تلاقي الصين في منتصف الطريق.

* كاتب وأكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"