الكاظمي.. بين ضغط المتظاهرين وتسلط الميليشيات

03:32 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. أحمد سيد أحمد *

عادت التظاهرات مرة أخرى إلى ساحات وشوارع العراق، بعد ثلاثة أشهر من الهدوء النسبي، نتيجة لتصاعد الصراع الأمريكي - الإيراني في البلاد، وخاصة بعد مقتل الجنرال قاسم سليماني، وتزايد الصراع السياسي بين الأحزاب، ثم جائحة كورونا التي اجتاحت العالم والعراق، واشتداد الأزمة الاقتصادية، وفرضت هذه العوامل تراجع حدة الاحتجاجات، حيث ظلت في إطار الرمزية التي تمثلها بعض الخيام المنصوبة في الساحات الكبيرة، ومنها ساحة التحرير في بغداد.
التظاهرات الجديدة في العراق، هي أحدث موجة من الاحتجاجات، التي تشهدها البلاد منذ أكتوبر عام 2019، والتي أدت لمقتل أكثر من 550 شخصاً وجرح الآلاف، وقد دعا العديد من قادة الاحتجاجات على وسائل التواصل الاجتماعي إلى تنظيم المظاهرات التي انطلقت بالفعل يوم الأحد العاشر من مايو في العديد من محافظات العراق ومدنه، وخاصة بغداد والناصرية في الجنوب والكوت، وحدثت مصادمات بين المتظاهرين وقوات الأمن، وتم حرق إطارات السيارات، كما تم حرق مقرات بعض الأحزاب والتنظيمات المسلحة، مثل منظمة بدر، وقد جاءت المظاهرات الجديدة في العراق بعد أيام من تولي مصطفى الكاظمي مهام منصبه كرئيس للوزراء في العراق بعد موافقة البرلمان عليه لتخرج البلاد من حالة الفراغ السياسي والانسداد، التي سادت لشهور عديدة منذ استقالة عادل عبد المهدي، ورفض ترشيح أكثر من مرشح، مثل محمد توفيق علاوي وعدنان الزرفي.


الأسباب مستمرة


عودة التظاهرات في العراق، تعني أن الأسباب التي أدت لاندلاع الاحتجاجات منذ أكتوبر الماضي لم تتغير، وإنما هي مستمرة، وعلى رأسها رفض الشارع العراقي للطبقة السياسية الحاكمة، حيث يريد تغيير النظام السياسي القائم في البلاد منذ عام 2003، الذي يرتكز على المحاصصة الطائفية، ويعتبر المحتجون أن النظام الطائفي والطبقة السياسية يتحملان المسؤولية الأولى عن مشكلات
العراق التي يعيشها منذ سنوات، ومنها انتشار الفقر والبطالة، وتردي الأوضاع المعيشية للشعب العراقي، وكذلك استشراء الفساد في النظام الإداري للدولة، وفي الطبقة السياسية التي كانت المستفيد الأكبر من ذلك النظام، وجعلت العراق ضمن العشر دول الأكثر فساداً في العالم، وبذلك يعتبر المحتجون أن مصطفى الكاظمي هو جزء من الطبقة السياسية، ومن ثم ينادون بإسقاط النظام.
الكاظمي، الذي كان رئيساً لجهاز الاستخبارات، لم يكد يتجاوز تحدي إقرار حكومته في البرلمان، وتولي منصبه حتى اصطدم بتحدي استئناف الاحتجاجات والمظاهرات في الشارع العراقي، وعلى الرغم من أن الكاظمي تعهد بالإفراج عن المتظاهرين، الذين اعتقلوا على خلفيّة مشاركتهم في الاحتجاجات الشعبية التي خرجت منذ أكتوبر الماضي، ووعد أيضاً بتحقيق العدالة ومحاسبة المقصرين بالدم العراقي، وتعويض عوائل الشهداء ورعاية المصابين. وعلى الرغم من أنه دعا أيضاً البرلمان إلى اعتماد القانون الانتخابي الجديد الضروري لإجراء الانتخابات المبكرة، فإن كل هذه الوعود لم تنجح في تهدئة المحتجين أو إقناعهم بإعطائه فرصة لتنفيذها
.


سيف مسلط


عودة التظاهرات في العراق تُعد بمنزلة سيف مسلط على رقبة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، فعلى الرغم من أنه نجح في تمرير حكومته بعد توافقات مع الكتل والأحزاب السياسية فرضتها الظروف، التي تمر بها البلاد، وخاصة تداعيات أزمة كورونا، إلا أنه يواجه تحديات مزدوجة، فمن ناحية يواجه تحديات سياسية خاصة في ما يتعلق بتمرير قانون الانتخابات، وإجراء انتخابات مبكرة لإرضاء الشارع العراقي، لكن من ناحية أخرى سيواجه بتحدي مماطلة الكتل السياسية التي استفادت من قانون الانتخابات الحالي، الذي يهمش المستقلين، ويعطي الكتل والأحزاب السيطرة في البرلمان. كما يواجه الكاظمي تحدي استعادة هيبة الدولة ونزع أسلحة الميليشيات المسلحة، التابعة للأحزاب والكتل السياسية، والتي تقاوم بشكل كبير هذا الأمر، ولم ينجح رئيس وزراء عراقي في السابق بتحقيق هذا الهدف بسبب سيطرة تلك الميليشيات على المشهد العراقي، وخاصة بعد القضاء على تنظيم «داعش»، ويحتاج الكاظمي إلى الدخول في مفاوضات مع الكتل السياسية لتوحيد السلاح فقط في يد الدولة. ويرتبط بذلك تحدي محاسبة المسؤولين عن قتل المتظاهرين، والذين حتى الآن، لم يتم تحديد هويتهم، وهو ما أغضب الشارع العراقي، ولذلك سيظل الكاظمي يرزح بين سندان المحتجين المطالبين بالقصاص وبين مطرقة الأحزاب والميليشيات المسلحة، والتي يتهمها البعض بالمسؤولية عن قتل المتظاهرين.
في الوقت ذاته، هناك تحديات عاجلة أمام الكاظمي، وأبرزها تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للشعب العراقي، وخاصة في ظل تراجع أسعار النفط، المورد الأساسي للبلاد، واستمرار أزمة فيروس كورونا، وتداعياته على البلاد.
ولذلك فإن التحدي الأساسي، الآن، أمام الكاظمي مع عودة التظاهرات هو ترجمة الوعود العديدة، التي أعلنها إلى خطوات عملية على أرض الواقع، حتى ينجح في نزع فتيل التوتر والاحتجاجات التي من المتوقع أن تستمر وتتزايد بشكل كبير، خلال الفترة المقبلة، على الرغم من تحديات ظروف كورونا، فالشارع العراقي بعد فترة الهدوء النسبي لأكثر من ثلاثة أشهر، وجد أنه لم تتحقق أي من مطالبه، ولذلك يعتبر التظاهرات بمنزلة ورقة الضغط المهمة على الطبقة السياسية، لتحقيق أهدافه، وخاصة تغيير النظام السياسي.
التظاهرات في العراق هي عرض لمرض حقيقي يعانيه العراق منذ سنوات، وهو نظام المحاصصة الطائفية، وافتقاد الثقة بين الشارع العراقي والنخبة السياسية الحاكمة للبلاد، والمسيطرة على المشهد السياسي، ولذلك فإن أهم عناصر خريطة الطريق لخروج العراق من أزماته هو تغيير النظام السياسي، وتبني نظام المواطنة، وبناء الثقة بين العراقيين.

* خبير العلاقات الدولية في الأهرام

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"