تـركـيــا في خدمة «داعش»

03:30 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. محمد فراج أبو النور

عادت هجمات تنظيم «داعش» الإرهابي، لتمثل خطراً متزايداً بصورة كبيرة في المناطق الشرقية من سوريا (وخاصة في محافظتي دير الزور والحسكة، وبادية حمص) والمحافظات الغربية من العراق (وخاصة الأنبار، وصلاح الدين وديالي ونينوى) خلال الأشهر القليلة الأخيرة، وبعد أن كانت «داعش» قد تكبدت هزائم قاسية في عدد من المعارك الكبرى، بدأ يتضح تدريجياً أن عشرات الآلاف من مقاتلي التنظيم قد تمكنوا من الهروب من الموت، والأسر في المعارك لا ينقصهم المال ولا السلاح.
ينتشر مقاتلو «داعش» الإرهابيون ، في صورة خلايا سرية تتخفى وسط العشائر، أو علنية حيث يمتلكون نفوذاً أكبر أو فصائل مسلحة صغيرة العدد تتخذ من كهوف الجبال وتلال البوادي وتضاريسها الوعرة مخابئ لها، وبصورة أكبر في الجانب العراقي من هذه المناطق المتصلة جغرافياً.
ويجب ملاحظة أن هذه الخلايا والفصائل المسلحة كلها ترتبط بتنظيم قوي، حيث يمكن تجميع أعداد منها لشن هجوم كبير هنا أو هناك.. ثم تتفرق وتعود إلى مناطق تمركزها الأصلية.
وجدير بالذكر أيضاً أن قيادة التنظيم تعتبر شرق سوريا وغرب العراق مسرح عمليات كبيراً واحداً، وينتقل المقاتلون - في كثير من الأحيان - عبر الحدود السورية - العراقية، من خلال المناطق غير الخاضعة لسيطرة القوات السورية أو العراقية، أو عبر المثلث الحدودي بين سوريا والعراق والأردن، والذي مثل (ثقباً أسود) هائلاً في جهود مكافحة الإرهاب.
كما أن مناطق الاحتلال التركي في شرقي الفرات (منذ أكتوبر 2015) تمثل ثغرة لتسلل مقاتلي «داعش»، التي تربطها علاقات قديمة متشعبة بنظام أردوغان، منذ بداية الحرب الإرهابية على سوريا.. ولابد من الإشارة هنا إلى أن «داعش» له وجود عسكري في إدلب، وأن مسلحيه شاركوا في القتال إلى جانب القوات التركية خلال المعارك التي جرت في شهر مارس الماضي، بغض النظر عن التصريحات الصاخبة ضد «داعش» من جانب أردوغان .


ظروف مؤاتية


شهدت الأشهر الأخيرة ظروفاً مؤاتية بالنسبة ل«داعش» أتاحت للتنظيم الإرهابي فرصة لتنظيم صفوفه بصورة أفضل تحت ضغوط أقل من جانب قوات مكافحة الإرهاب السورية والعراقية.. وأتاحت له إمكانيات أوسع للحركة وشن الهجمات.
1 - فمن ناحية اضطرت دول المنطقة - بما فيها سوريا والعراق بالطبع - لتوجيه جهد واهتمام كبيرين وموارد طائلة لمكافحة وباء كورونا الذي اجتاح العالم بأسره.. وشارك الجيش السوري بدور كبير في جهود مكافحة الوباء، بما فيها واقعة حظر التجوال وتوزيع السلع الغذائية على السكان.. مما كان له أثره بالطبع على المجهود الحربي في المناطق الشرقية.
2 - وكان الجيش السوري قد اضطر في وقت سابق، لتوجيه أعداد كبيرة من القوات للقتال في معركة تحرير حلب وإدلب.. وكان من الطبيعي أن يكون لهذين الحدثين - المتقاطعين زمنياً - أثرهما في كثافة الوجود والمجهود الحربي والأمني في شرق البلاد.
3 - ولم يكن ممكناً التعويل على (قسد) في تعويض هذا القصور لأسباب يطول شرحها وتحتاج إلى معالجة مستقلة.
4 - أما على الجانب العراقي فبالإضافة إلى كورونا، كانت الأزمة السياسية الناشئة عن تفجر الانتفاضة ، وما ترتب عليها من استقالة حكومة عبد المهدي وانغماس جميع الأطراف السياسية في هذه الأزمة المعقدة، وما أدى إليه ذلك من نشوء فراغ للسلطة، وبالتالي نوع من الفراغ الأمني.. كان لذلك كله أثره الخطير في إتاحة الفرصة ل«داعش» تنظيم صفوفه دون ضغوط والانتقال إلى الهجوم في المحافظات الغربية بالذات.


الفرصة السانحة


وفي ظل هذه الظروف المؤاتية نشط «داعش» وتمكن من إعادة تنظيم ما يتراوح بين (عشرين وثلاثين ألف مقاتل) ينتشرون في شرق سوريا وغرب العراق.. وشرع في مهاجمة مواقع الجيش والأمن السوري في محافظتي دير الزور والحسكة وبادية حمص، وفرض الإتاوات على الأهالي، وسلب ممتلكاتهم وأحرق محاصيلهم، ويشار مثلاً إلى مهاجمته لمجموعة من الرعاة في دير الزور والاستيلاء على قطيع من الأغنام (ألف رأس) وما يلفت النظر هنا هو تمكنهم من الهروب بمثل هذه الغنيمة كبيرة الحجم.
غير أن أخطر هجمات التنظيم الإرهابي كان هجومه على مدينة (السخنة) وهي مركز لصناعة الغاز في بادية حمص (9 أبريل 2020) وهو الهجوم الذي انتهى بهزيمة الإرهابيين، بعد تدخل الطيران الروسي ولكنه كلف الجيش السوري 18 شهيداً.. ويلفت النظر هنا إلى ضخامة الهجوم ومستوى تسليح المهاجمين وامتلاكهم لعدد كبير من عربات الدفع الرباعي، ثم سرعة انسحابهم بعد تدخل الطيران الروسي، ما يشير إلى حيازتهم لمعلومات استطلاع جوي لا تتوافر ل«داعش».. وإلى وجود مساعدة من طرف قوي له مصلحة في إنزال ضربة قوية بالجيش السوري! وهنا تتجه الأنظار تلقائيا إلى القوات الأمريكية وإلى قاعدة (التنف) غير البعيدة عن حمص.


صحوة عراقية


تحدثنا سابقاً عن تصاعد النشاط الإرهابي الداعشي في العراق في ظل ظروف الفراغ السياسي والأمني التي شرحناها، وقد شهد العراق بعض الحملات الأمنية المحدودة الأثر خلال الفترة الماضية، لكن يبدو أن تحركاً كبيراً قد بدأ خلال الأيام القليلة الأخيرة، بعد استلام حكومة مصطفى الكاظمي لمسؤولياتها.. فقد أعلنت خلية الإعلام الأمني للحكومة العراقية (الأحد 17 مايو) عن انطلاق عملية (أسود الجزيرة) بمشاركة قيادات عمليات الجزيرة وصلاح الدين وغرب نينوى (وبإسناد من طيران الجيش والقوة الجوية).. وأن العملية تجري على أحد عشر محوراً تمتد من شمالي الأنبار إلى جنوب نينوى وغرب محافظة صلاح الدين وصولاً إلى الحدود السورية.

وتبعث هذه التطورات المهمة في العراق على الأمل ببدء تحرك عسكري كبير ضد «داعش» يمكنه توجيه ضربات قوية ضده، وتخفيف الضغط الإرهابي على سوريا والمؤكد أن الأيام القادمة ستحمل أخباراً سارة تستحق المتابعة الحثيثة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"