مستقبل قطاع الطاقة الأمريكي

00:12 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. عبد العظيم محمود حنفي *

أدت جائحة كورونا إلى تخفيض طلب المستهلكين وتوقف المصانع عن العمل كما أن 4 مليارات شخص من بين سكان العالم البالغ عددهم 7.7 مليار قد تم عزلهم ذاتياً، علاوة على إيقاف 95 % من الرحلات الدولية وبالتالي لم يعد لدى منتجي النفط أماكن لوضع المخزونات المتزايدة من النفط.

تتحدث مراكز دراسات استراتيجية أمريكية عن أن الأمريكيين اضطروا في سبعينات القرن الماضي إلى الوقوف في طوابير طويلة أمام مضخات البنزين، حين كان البلد يعتمد اعتماداً كبيراً على واردات النفط من الخارج. وقبل أقل من عقد مضى، بدا مستقبل الطاقة الأمريكية قاتماً، إذ إن الإنتاج المحلي من النفط والغاز كان يتراجع، وكانت كبريات شركات النفط الأمريكية التي تعتقد أن ثرواتها تكمن في الخارج، قد عزفت منذ فترة طويلة عن ممارسة مزيد من الأنشطة في الحقول الأمريكية. ولكن الأمور تغيرت أيما تغيير. إذ تعد الولايات المتحدة اليوم أكبر منتج للطاقة في العالم. وأن السبب ليس سراً، إذ إن الولايات المتحدة تستخرج الآن النفط والغاز الطبيعي بكثرة من الصخر الزيتي باستخدام تقنية التكسير الهيدروليكي, وضخ المياه والمواد الكيميائية الموجودة في أعماق الآبار العميقة إلى الصخور المكسرة والاستفادة من موارد كان يعتقد أنها غير قابلة للاسترجاع.

وتتباهي بأن هناك بلدانا أخرى لديها صخر زيتي وبعضها منخرط في استخدام تقنية التكسير الهيدروليكي ومع ذلك فلا أحد يستخرج النفط والغاز بمستوى منتجي النفط الأمريكيين وارجعوا ذلك الأمر إلى أن منتجي النفط الأمريكيين حافظوا على الابتكار وتجريب طرق جديدة لاستخراج هذه الموارد. كما ساعد الالتزام الأمريكي تجاه المشاريع الحرة وريادة الأعمال في إشعال فتيل تدفق النفط. وأن الولايات المتحدة لديها البنية التحتية وخطوط الأنابيب والمصافي والكثير من رؤوس الأموال المتدفقة عليها والإبداع الذي يغذيه ذلك، والتجربة والخطأ وملكية خاصة للمعادن وهذا أمر مختلف تماماً عما هو عليه الحال في الدول الأخرى، حيث تهيمن الشركات المملوكة للدولة على هذا القطاع. ولذلك تعتبر تلك المراكز الدراسية التكسير الهيدروليكي أحد الأصول الإستراتيجية الأمريكية، وبينما كانت الولايات المتحدة الأمريكية تستورد ثلثي احتياجاتها من النفط الخام، فقد أصبحت الآن تستورد أقل من الربع، وتقول إن المصافي الأمريكية تتجه أكثر لمعالجة الخام الثقيل والأقل جودة من النفط المستورد، أكثر من معالجة النفط الأخف والعالي الجودة الذي يستخرج الآن من نورث داكوتا وجنوب تكساس وهذا يجعل تصدير النفط الخفيف أكثر ربحية. إلا أن أسعار النفط انخفضت انخفاضاً حاداً؛ ففي يوم 20 إبريل الماضي، أغلق خام غرب تكساس الوسيط تسليم شهر مايو عند سالب 63. 37 دولار للبرميل، في بورصة نيويورك التجارية، وبالرغم من ارتفاع الأسعار مرة أخرى لاحقاً، فإنه ينظر إلى هذا الانخفاض الحاد على أنه تهديد قوى للاقتصاد الأمريكي والعالمي. حيث أدت جائحة كورونا المستجد إلى تخفيض طلب المستهلكين وتوقف المصانع عن العمل كما أن 4 مليار شخص من بين سكان العالم البالغ عددهم 7.7 مليار قد تم عزلهم ذاتياً، علاوة على إيقاف 95 % من الرحلات الدولية وبالتالي لم يعد لدى منتجي النفط أماكن لوضع المخزونات المتزايدة من النفط.

ويشعر الكثيرون بالقلق من التأثير السلبي لذلك الانخفاض غير الطبيعي في أسعار النفط. وهو وضع خطير جداً في الولايات المتحدة، حيث هناك 9000 شركة غاز صخري وهناك العديد من البنوك الأمريكية الكبري بالإضافة إلى عديد البنوك المحلية التي استثمرت في هذه الأعمال، وقد أفلست 42 شركة منها العام الماضي، ومن المتوقع أن تعاني المزيد من الشركات المصير نفسه نتيجة لانخفاض أسعار النفط. وقد يؤدى إفلاس شركات الغاز الصخري الصغيرة والمتوسطة إلى أزمة مماثلة للأزمة المالية التي حدثت في عام 2008، لأن البنوك التي استثمرت في تلك الشركات قد ينتهي بها المطاف إلى الإفلاس أيضاً، الواحد تلو الآخر. وهذا حدث نتيجة توسع الولايات المتحدة في إنتاج النفط الصخري، ووفقاً لإدارة معلومات الطاقة في الولايات المتحدة يتم إنتاج 7.7 مليون برميل يومياً.

وخلال فترة الانتعاش كان العديد من شركات النفط الصخري يقترض لزيادة الإنتاج ولكنهم يعانون الآن نتيجة الانخفاض الحاد غير المسبوق في أسعار النفط، ما يهدد باندلاع أزمة في السوق المالية مثلما حدث عام 2008 عندما انهارت شركات الإقراض الرئيسية للرهن العقاري ما أدى إلى الأزمة المالية العالمية ولاحظت مراكز استراتيجية أن قطاع النفط الصخري غير محبوب في الولايات المتحدة، ويدللون على ذلك بأنه في قطاع الطاقة بلغ إصدار الأسهم من المنتجين الأمريكيين 3.1 مليار دولار فقط في عام 2019، وهو أدني مستوى له منذ عام 2006.

ومن أحد تداعيات أزمة الانخفاض الحاد في أسعار النفط، قيام الشركات النفطية بتقليص إنفاقها الرأسمالي. ولن يتم استخراج بعض أنواع النفط الأكثر كلفة بل سيترك في مكامنه. وسيخف النمو المحموم الذي يشهده النفط الصخري. ولكن تتفق كافة الدراسات على أنه نظراً لأن هذا الانخفاض الكبير في أسعار النفط أمر نادر للغاية، فإنه بمجرد انحسار أزمة جائحة كورونا المستجد واستئناف الأنشطة الاقتصادية، سترتد أسعار النفط مجدداً، وسيعود التكسير الهيدروليكي- مهما طالته أسئلة مشروعة ومنطقية حول تأثيراته البيئية السالبة. ولكن حتى ذلك الحين يظل السؤال الكبير هل يستطيع قطاع الطاقة الأمريكي تجاوز الأزمة الحالية بشكل صحيح؟

* باحث أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"