الفيل الأسود والألعاب الإلكترونية

01:58 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عبدالعظيم محمود حنفي

على حين غرة، ظهرت جائحة «كوفيد-19»، وهي الأزمة الأولى من نوعها في القرن الحادي والعشرين التي تؤثر حقاً، في البشرية جمعاء. ويرى بعض النقاد أنه مع الإقرار بأن هذا الفيروس جاء من ووهان بالصين، لكنه لم يكن قطعاً بالبجعة السوداء التي ما كان لأحد أن يتوقعها، بل كان «فيلاً أسود»، وهو مصطلح صاغه عالم البيئة آدم سويدان.
الفيل الأسود مزيج من «البجعة السوداء»، أي الحدث المستبعد غير المتوقع ذي التداعيات الهائلة، و«الفيل في الغرفة»، أي الكارثة المحدقة البادية للجميع، ولكن أحداً لا يريد معالجتها. وصار العديد من الكتاب الأمريكيين يستخدمون هذا المصطلح. ومع إغلاق الحدود والمدارس، والجامعات، والمطاعم، والمحال التجارية، اصبح الإنترنت وسيلة لملايين الأشخاص المعزولين صحياً، لتمضية الوقت والبقاء على اتصال بالآخرين، من دون نشر الجائحة. وترتبت على هذا زيادة واضحة لمبيعات الألعاب الإلكترونية، بدءاً من شهر يناير/ كانون الثاني. وكشفت إحدى التقارير المختصة بهذا الشأن أن الولايات المتحدة شهدت نسب ارتفاع تصل إلى 75% عن النسب المعتادة.
كما أن البلدان التي دخلت في حجر صحي كامل، مثل إيطاليا وفرنسا وإسبانيا، على سبيل المثال، شهدت ارتفاعا واضحاً بلغ 180% عن المعدلات المعتادة. بل إن إيطاليا وحدها، شهدت نسبة ارتفاع قدرت بأكثر من 174% في معدلات الشراء والتحميل الخاصة بالألعاب الإلكترونية. والمفارقة انه في شهر مايو/ أيار 2019 أدرجت منظمة الصحة العالمية إدمان ألعاب الفيديو رسمياً، ضمن قائمة الأمراض، حيث تم تصنيف «اضطراب الألعاب الإلكترونية» بشفرة «6 سي 51» على اعتبار أنه نوع من اضطرابات النمو العقلي، والسلوكي، والعصبي.
ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإن أعراض المرض المفترض تشمل ضعف التحكم في وقت الألعاب، وزيادة الأولوية الممنوحة للألعاب على اهتمامات الحياة والأنشطة اليومية الأخرى. وهناك آراء متباينة في العالم بشأن تصنيف اضطراب الألعاب الإلكترونية بشفرة جديدة، حيث أعربت اتحادات الآباء والدوائر التعليمية والطبية عن ترحيبها بذلك التصنيف، في حين أصدرت 9 اتحادات ومنظمات عالمية لصناعة الألعاب الإلكترونية بياناً مشتركاً، طالبت فيه منظمة الصحة العالمية بإعادة النظر في هذا التصنيف، مشيرة إلى أن المنظمة قد توصلت إلى قرار أحادي الجانب، على الرغم من أن الأبحاث حول هذه القضية لا تزال جارية.
وهذا موقف طبيعي لأن شركات صناعة الألعاب الإلكترونية تجني مليارات الدولارات من هذه الصناعة. وحتى في خضم الأزمة المالية العالمية عام 2008 حققت صناعة الألعاب الإلكترونية نمواً وتطوراً في حدود 20%. وتولي الاقتصادات الكبرى اهتماما بالغاً بصناعة الألعاب الإلكترونية، لأنها محركات جديدة للنمو،وسبق أن استحوذ عملاق الإنترنت الصيني «تانسنت»، على مصمم ألعاب الفيديو الفنلندي «سوبرسِل» مقابل مبلغ 8.6 مليار دولار، وأصبح الناشر والموزع العالمي المهيمن على سوق ألعاب الفيديو التي يبلغ رقم معاملاتها 100 مليار دولار. ومع الاستحواذ على «سوبرسِل»، سيطرت «تانسنت» على نحو 13% من قطاع ألعاب الفيديو في العالم. وهذا يعني أن «تانسنت» قصدت انتهاج أسلوب أكثر جرأة، وسرعة، وهو أسلوب الاستحواذ بدلاً من تطوير القدرات الذاتية، توفيراً للوقت.
وترى بعض التحليلات أن النتيجة الأهم والأكبر لعملية الاستحواذ هذه قد لا تكون لها علاقة كبيرة بالاقتصاد، وقد تكون ثقافية، بدلاً من ذلك. فخلال السنوات الأخيرة أنفقت الحكومة الصينية المليارات من أجل دعم المشاريع والشركات الفنية، حيث تطمح إلى امتلاك «قوة ناعمة» خارج حدودها.
ومع انتشار وازدهار تجارة الألعاب الإلكترونية، فإن هذا أوجد معضلة لمسؤولي الصحة العامة، بعد أن أعطوا - حالياً - أولوية لمعالجة (كوفيد- 19)، وهذا يعنى تشجيع الناس على البقاء في منازلهم. ولهذا السبب، تقوم منظمة الصحة العالمية وشركات التكنولوجيا بالترويج للألعاب كأجراء، صحي لأن إتاحة خيارات الترفيه يساعد الناس على البقاء في المنزلن وعدم الشعور بأنهم مضطرون للخروج، ومقابلة الأصدقاء. وتبقى كل عوامل الخطر المتعلقة بالإدمان تزداد حالياً، والشيء نفسه ينطبق على إدمان الإنترنت، والألعاب الإلكترونية.

* باحث أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"