«كورونا» واضطراب ما بعد الصدمة

03:34 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. جلاء محمد أحمد الركين

تواجه الإمارات أزمة «كورونا» بتداعياتها الصحية والنفسية والاقتصادية والاجتماعية، بكل ثبات وجاهزية ممثلة في قيادتها الرشيدة ومؤسساتها الصحية بكوادرها الطبية والإدارية والفنية.
أضف إلى ذلك مؤسسات التخطيط الاستراتيجي ودرء الكوارث والأزمات، والقوات النظامية كالأجهزة الشرطية وغيرها.
هذا الوباء العالمي الذي زلزل كبرى الدول واستعصى على عقول العلماء والخبراء، تصدت له الإمارات بمنتهى الاستعداد والتأهب وفي تروٍ، فلم تجزع ولم تطرح عبارات العجز والحيرة ولم تروع مواطنيها ولا المقيمين على أراضيها، ولم تتوعدهم بفداحة المصير. ورأينا التصريحات الإيجابية التي تنم عن التمسك بروح المسؤولية والإيثار وقبول الآخر، وشاهدنا العبارات التي تدعو إلى الطمأنينة بشأن الغذاء والدواء، وتنشر الوعي الصحي والوقائي.
ومما يساعد على احتواء هذه الأزمة أيضاً، الاتزان الانفعالي والوعي الاجتماعي والسلوك الحضاري الذي يلتزم به أفراد المجتمع بمختلف شرائحه.
وهذا يقودنا إلى الحديث عن الأثر النفسي لأزمة «كورونا»، فالمجتمع أي مجتمع في مثل هذه الفترات، يمر بمرحلة الصدمة النفسية، وهي كما يعرّفها الدليل الأمريكي الإحصائي التشخيصي الخامس للأمراض النفسية «حالة اضطراب نفسي تتسم بقلق أو خوف قد يصاب به الشخص بعد أن يشهد أو يعيش بشكل مباشر أو غير مباشر، حدثاً مأساوياً أو ظرفاً قد يهدد حياته، مثل المرض الشديد أو الاعتداء أو الانتهاك أو الموت». ويشترط في هذه الحالة المشاهدة المباشرة لحادث أو أحداث صادمة تقع للآخرين كأحد أفراد العائلة، أو المقربين والأصدقاء، وأيضاً وجود أعراض اقتحامية مرتبطة بالحادث الصدامي تظهر في شكل كوابيس وأحلام أو ذكريات مؤلمة.
وإذا طبقنا هذا التعريف على ما يحدث حالياً في ظل «كورونا»، فإنه تهديد للصحة وتوقع للإصابة بالمرض بين كل حين وآخر، إضافة إلى تغيير نمط الحياة إلى الانغلاق القسري والتخلي عن العادات والعمل، واتساع وقت الفراغ المصحوب بالقلق والخوف والتوتر والتهيب وتوقع الخطر. وكل ذلك يعتبر مؤدياً لما يعرف بالصدمة النفسية، وهي بمثابة طور أول لاضطراب ما بعد الصدمة.
ومن المعروف علمياً، أن الصدمة النفسية تمر بعدة مراحل، فحين المرور بتجربة سيئة أو حادث مؤلم، فإن الاستجابة الشعورية والعاطفية التلقائية في تلك اللحظة تعرف بمرحلة الإنكار؛ أي عدم التصديق. وهذه المرحلة يشوبها التشويش؛ إذ تختلف ردات الفعل الانفعالية حسب قوة النسيج النفسي للشخص المصدوم. وهنالك عوامل أخرى كثيرة ترتبط بهذا الموضوع، منها الاعتقادات الدينية والإيمانية والروحانية التي تدفع الإنسان إلى أن يكون أكثر قبولاً وتحملاً للشدة النفسية في حالة المرض وغيره.
وفي العادة، يشخص اضطراب ما بعد الصدمة النفسية بعد مرور شهر من وقوع حادث الصدمة، مع إضافة فئة تشخيصية جديدة سميت باضطراب الضغط النفسي الحاد كحالة تشخيصية مبكرة لاضطراب ما بعد الصدمة، الذي يتسم بالانغلاق العاطفي والإنكار والشعور بالغربة. الكاتبة إليزابيث كوبلر في كتابها «عن الموت والاحتضار»، شرحت مرور الصدمة النفسية بخمس مراحل أولاها الإنكار، كما ذكرنا؛ إذ إن العقل الباطن يساعد في الإنكار والتشويش على العقل الواعي وإقناعه بأن شيئاً لم يحدث، حتى يستوعب الشخص الحدث.
تلي ذلك مرحلة الانفعالات والغضب، فبعد أن يستوعب الشخص الأمر الذي رفضه العقل وأنكره، يبدأ الواقع والألم والذكريات في الدخول إلى أفكاره.
أما المرحلة الثالثة فتعرف بالتفاوض، وفيها يرضخ الشخص المصدوم للأمر الواقع، وتتصارع المشاعر بداخله من ألم وفقدان الأمل، ويبدأ العقل في السيطرة عن طريق التفكير في بدائل، ربما تخفف من الواقع.
على سبيل المثال، يبدأ الشخص المصدوم يقنع نفسه بأنه يمكن التعامل مع هزة الصدمة ويتم التفاوض فيما لو اكتشف الأعراض مبكراً، وبدأ الفحص عند بداية الشعور بها. وتعد هذه المرحلة قاسية جداً لما تحمله من ألم نفسي وصراعات.
أما مرحلة الاكتئاب التي تتسم بالمعاناة فتتطلب وجوب وجود الدعم النفسي من المحيطين ومقدمي الرعاية الصحية النفسية للشخص المصدوم، حتى يصل إلى مرحلة التقبل والمعالجة وامتلاك شجاعة الاستمرار في الحياة.
وفي هذه المرحلة أيضاً، لا بد من وجود المتخصصين في مجال الصحة النفسية وتقديم الدعم والمساندة، وتوفير آليات التأقلم وإعادة بناء الأفكار الإيجابية حتى لا تستمر آثار ما بعد الصدمة لفترات زمنية أطول، وتجر معها أصعب الآثار الصدمية متنوعة المصادر.
الحديث عن اضطراب ما بعد الصدمة هدفه أن يُدلي كل ذي اختصاص بدلوه لتتضافر الجهود لتلافي هذه الأزمة النفسية، حتى لا يدخل أي شخص طور ما بعد الصدمة النفسية.

معالج نفسي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"