لعبة في أيدي الشياطين

04:06 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود حسونة

لم نستوعب ولم نعِ الدروس المستفادة، ولا يزال بيننا فاقدون لعقولهم من الخونة، ولن ينصلح حالنا إلا باقتلاعهم من أرضنا.

عندما يفقد الإنسان عقله، يصبح كائناً عاجزاً عن إبصار ملامح طريق حياته، ولا يجد أمامه من مفر سوى تسليم نفسه لآخر يقتاده ويتحكم فيه ويوجهه كيفما يشاء. باختصار يتحول من إنسان صاحب قرار وموقف إلى دمية يتسلى بها الآخرون، أو كرة يتقاذفونها، أو قطعة شطرنج يحركونها في الاتجاه الذي يبغونه، أملاً في تحقيق فوز أو جني مكاسب تخصهم وحدهم، وليس له أي نصيب فيها.

من يتأمل حال أمتنا اليوم يجد أن فئة منا فقدت عقلها وسلمت نفسها لشياطين الإقليم والعالم، يلعبون ويتلاعبون بها ويستخدمونها أداة لنشر الفوضى وخلق الفتن وتعميم الخراب لدينا، ولتحقيق مكاسب سياسية وجغرافية تضمن لهم التسيد علينا.

أبناء وإخوة وأشقاء لنا، يتقاتلون معنا وينفذون إرادة من لا يريد لنا صلاحاً ولا بقاءً، بعد أن عاش قروناً وعقوداً طامعاً في خيراتنا وممتصاً لدمائنا، وناقماً على تاريخنا وحاقداً على جغرافيتنا، وخائضاً معنا حروباً، ليصل إلى إيديولوجية القبح، بأن يوظف أبناءنا ضدنا؛ ومن باب الدين الأوسع تأثيراً، دخل عليهم واعداً في البداية، ومتوعداً بعد أن أغرقهم في الوحل، بجانب الكثير من المغريات المادية والسلطوية، التي أفقدت ضعاف النفوس والخاوين فكرياً والمسطحين دينياً عقولهم وتوازنهم، ليسلموا أنفسهم له راضين ومرتضين أن يكونوا لعبة في يديه، وسلاحاً يحاربنا به، أملاً في أن يحقق انتصارات عجز عن تحقيقها عندما حاربنا بجيوشه.

مؤسف أن هذه الفئة الضالة المضللة من أبنائنا لم تتحول فقط إلى لعبة في أيدي هؤلاء الشياطين الكارهين لنا تاريخياً، ولكنهم بأفعالهم حولوا بعض دولنا إلى لعبة في أيديهم، ونشروا بيننا من يكاد أن يحول أمتنا إلى لعبة بين أمم الأرض، بعد أن أصبح الآخر هو الذي يتحكم في مصائر بعض دولنا.

انظروا إلى ليبيا وما يحدث فيها، لم يعد كافياً عند أردوغان أن الليبيين يتقاتلون مع بعضهم، بل جاء بأسلحته ومرتزقته ليقاتل في صفوف حكومة الوفاق الإخوانية الهوى والتركية الهوية ضد الجيش الوطني الليبي، ومرتزقة أردوغان في ليبيا والمتجاوزين ١٠ آلاف ليسوا أتراكاً، ولكنهم للأسف سوريون، وهو ما يمحو أيّ ادعاءات بأن المسلحين الذين يحاربون في سوريا أصحاب قضية، ويؤكد أنهم مرتزقة فقدوا عقولهم ويحاربون لصالح من يدفع ويمنح وعوداً وهمية، لينجح التركي في تسليط السوري على الليبي، فضلاً عن تقاتل الليبيين مع بعضهم.

قبل ليبيا، لن يغفر التاريخ ما حدث في سوريا بعد أن تحولت على يد فئة من أبنائها والطامعين فيها والممولين، إلى أرض خراب وفد إليها شواذ الفكر والعقيدة من أربع جهات الأرض ليدمروها ويشتتوا أهلها، وللأسف لم يستحي مرتزقة سوريا من أن يضعوا أيديهم في يد أعدائها ليهدموا ويشوهوا حضارتها ويطردوا شقيقهم من بيته وأرضه، ويحولوه إلى لاجئ يموت في البحر، أو يستخدمه أردوغان أداة يهدد بها أوروبا أو يكون مصدر إزعاج لغيره من أبناء دول الجوار العربية، بعد أن أصبح يقاسمه لقمة العيش غير المتوافرة.

لا ننسى أيضاً العراق واليمن ولبنان وتونس، وفي كل منها دارت معارك لم يستفد منها إلا شياطين الإقليم ممن لا يريدون لهذه الأمة سوى السقوط.

في مصر، قتل المصري شقيقه المصري، بعد أن سلمت طائفة من المصريين إرادتها للإخوان وأخواتها من جماعات العنف والإرهاب، ووجدت فيهم تركيا وغيرها ضالتها في أن تجعل من بعض أبناء الفراعنة خنجراً يضربون به مصر من خاصرة الجيش والشرطة، ورغم أن الجيش والشرطة يخوضان أشرس معركة ضد الإرهاب منذ عقود، وحققا خلالها الكثير من الانتصارات، إلا أن الإرهاب لم يرفع يديه مستسلماً بعد أن احتضن أردوغان قادته وفتح لهم أبواب تركيا واستخدمهم أدوات فتنة ووسيط دم يملي عليهم تعليماته، لينقلونها إلى صبيانهم الذين ما زالوا يعيشون بيننا ويتآمرون ويسعون لقتلنا، جيشاً وشرطةً وشعباً.

أهل فلسطين أيضاً، بدلاً من أن يتحدوا ويتوحدوا لاسترداد حقوقهم، انقسموا ورفعوا السلاح ضد بعضهم.. ورغم كل ما حدث لأمتنا خلال العشرية الأخيرة منذ اندلاع مؤامرة «الربيع العربي»، التي سلمت أمتنا لأعدائها، إلا أننا لم نستوعب ولم نعِ الدروس المستفادة، ولا يزال بيننا فاقدون لعقولهم من الخونة، ولن ينصلح حالنا إلا باقتلاعهم من أرضنا، وهو ما يستلزم تعاون شعوبنا مع أجهزتها الوطنية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"