الدور الأمريكي بعد نكبة «الضم»

02:53 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

لم تكن تسوية القضية الفلسطينية طوال العقود السبعة الماضية مسألة حيوية لمصالح الولايات المتحدة التي تركزت أساساً في ضمان تدفق الطاقة، وحماية «إسرائيل».

قرار «إسرائيل» المحسوم والمنتظر بضم أجزاء من الصفة الغربية يدشن مرحلة جديدة يكتنفها الغموض والتوتر، سواء على صعيد القضية الفلسطينية، أو الدور الذي ستلعبه الولايات المتحدة في المستقبل. لم يعد بوسع واشنطن، ولا يشغلها هذا كثيراً، أن تقدم نفسها كوسيط نزيه بين الطرفين «الإسرائيلي» والفلسطيني، بعد أن تبنت منذ انتخاب الرئيس دونالد ترامب كل المواقف «الإسرائيلية»، بما في ذلك منح الضوء الأخضر لضم أراضي الضفة. ولا يمكن لها من الناحية المنطقية، دعك من الأخلاقية، الادعاء بالسعي لإيجاد تسوية عادلة بعد أن جعلتها مستحيلة عملياً.

ضم أجزاء من الضفة هو تطور طبيعي لسلسلة من الإجراءات العدوانية التي باركتها أمريكا، وفي مقدمتها الاعتراف بالقدس عاصمة ل«إسرائيل» ونقل السفارة الأمريكية إليها. تلا ذلك التراجع عن الموقف الذي التزمت به كل الإدارات الأمريكية السابقة باعتبار المستوطنات غير شرعية، وهو ما يعني تلقائياً حق «إسرائيل» ليس فقط في إقامتها، ولكن أيضاً في ضم الأراضي المقامة عليها.

الخلاف الوحيد حالياً يدور حول توقيت إعلان القرار «الإسرائيلي»، ومساحة الأراضي التي سيشملها في المرحلة الأولى. وكان هذا أحد الأسباب الأساسية لزيارة مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكي ل«إسرائيل» الشهر الماضي.

ليس هناك تصور واضح لطبيعة الدور الجديد الذي يمكن لواشنطن القيام به في مرحلة ما بعد الضم على صعيد علاقاتها ب«إسرائيل»، وموقفها من القضية الفلسطينية. أحد السيناريوهات العديدة المطروحة في واشنطن كتبه الصحفي البارز ستيفن كوك. ونعتبره الأهم ليس فقط بسبب خبرة الكاتب ودرايته بالمنطقة، لكن أيضاً لأنه يطرح تصوراً أكثر واقعية وأقرب للتحقق. كما يتصدى لقضية بالغة الحساسية هي مستقبل العلاقات مع «إسرائيل» والدعم الأمريكي لها.

نشر كوك، وهو خبير في مجلس العلاقات الخارجية، رؤيته في مجلة «فورين بوليسي» بعنوان «كيف ننهي العلاقات الخاصة مع «إسرائيل». وخلاصتها أنه لم يعد هناك ما يسمى بحل الدولتين، ثم إنه يجب معاملة «إسرائيل» كدولة عادية مثل غيرها. وعلى حد تعبيره تطبيع الروابط معها.

وبلا تحفظ يعتبر أن أي حديث عن حل سياسي بين «إسرائيل» والفلسطينيين يؤخر التعامل الواقعي مع الوضع القائم، ويبدد الوقت والجهد. بمعنى أوضح يريد أن يقول إن مرحلة البحث عن حلول سلمية انتهت.

يفسر رؤيته، التي تجد صدى لها بين دوائر أمريكية واسعة، بالقول إن «إسرائيل» لا يمكن أن تقنع بالحد الأدنى من مطالب الفلسطينيين، وهؤلاء لن يرضوا بالحد الأدنى من مطالبها. وأمريكا لا تملك الموارد ولا الإرادة السياسية لتغيير توجهات ومصالح أيٍّ من الطرفين.

أما الطريق المسدود الذي وصلت إليه جهود التسوية فيرى أنه لا يهدد المصالح الأمريكية، بل العكس فقد دعم أمن «إسرائيل». لم تكن تسوية القضية الفلسطينية طوال العقود السبعة الماضية مسألة حيوية لمصالح الولايات المتحدة التي تركزت أساساً في ضمان تدفق الطاقة، وحماية «إسرائيل» ومنع هيمنة قوة أخرى. وفي مرحلة لاحقة أضيف محاربة الإرهاب ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل.

ما يجب أن تفعله واشنطن حالياً، كما يقول، هو إعادة النظر في مساعداتها ل«إسرائيل» بعد أن تجاوزت إجمالاً 142 مليار دولار. وهذه الخطوة ليست إجراءً عقابياً، ولكن لأن «إسرائيل» حققت نجاحات اقتصادية وأمنية وسياسية باهرة، تؤهلها للاستغناء عن دعم أمريكا التي قد لا تستطيع مواصلة تقديمه بهذا السخاء. بكلمات أوضح: حققت المساندة الأمريكية على كل المستويات أهدافها بوجود دولة قوية ناجحة قادرة على البقاء.

ولكن ماذا عن الفلسطينيين؟ يجيب كوك أنهم غاضبون، وهذا متوقع؛ لأن أمريكا غسلت يديها من قضيتهم على حد وصفه. لكنهم كما يقول «هم من أساء قراءة المصالح الأمريكية في المنطقة، ووثقوا بواشنطن رغم توفر المؤشرات التي كانت تدعوهم لتجنب ذلك». التحلل الأمريكي من أي التزام بصنع السلام أصبح ضرورياً من وجهة نظر كوك وكثيرين غيره. وهذه المرة يجب ألّا نكرر الخطأ الفلسطيني بالثقة بواشنطن.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"