تونس.. الغنوشي يفلت من العقاب

02:29 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. محمد عز العرب *

شهدت تونس، خلال الفترة القليلة الماضية، تحركات متتالية عبر توقيع عرائض سياسية، وتنظيم وقفات احتجاجية، وعقد جلسات برلمانية، للمطالبة بتنحي زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي عن رئاسة مجلس النواب، لا سيما بعد اتصاله برئيس «حكومة الوفاق الوطني» في طرابلس، «فايز السراج»، لتهنئته بالسيطرة على قاعدة «الوطية» الجوية، ومن ثم تأييد التدخل العسكري التركي في ليبيا.
تمثل موقف النهضة في تساؤل رئيس المكتب السياسي لها «نور الدين العرباوي»، بتاريخ 1 يونيو/‏ حزيران الجاري، قائلًا: «لماذا لم تشن الحملة نفسها التي شنت على الغنوشي بخصوص المكالمة الهاتفية التي أجراها مع الرئيس الليبي فائز السراج، على رئيس البرلمان السابق محمد الناصر عندما استقبل رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبي خالد المشري؟». واعتبر آخرون أن حل المؤسسة التشريعية عن طريق التظاهر يشكل دعوات للفوضى، واستقواء بالشارع، إذ إن «الدستور وضع آليات محددة لحل البرلمان»، كما أن تواصل الغنوشي مع حكومة الوفاق الليبية لا يحمل أي مشكلة، ويأتي في إطار الدبلوماسية البرلمانية التونسية. في حين تشير رؤية أحزاب وقوى سياسية تونسية معارضة، أن ذلك الأمر يمثل تجاوزاً للصلاحيات التي يمنحها الدستور لرئيس البرلمان، وفي الوقت نفسه يعد انتهاكاً لما نص عليه الدستور الوطني للبلاد، وتحديداً في ما يتعلق بممارسة رئيس البرلمان دبلوماسية موازية للدبلوماسية الرسمية، المخول بها رئيس البلاد «قيس سعيد»، المسؤول عن ملفات السياسة الخارجية، وفقاً للدستور، إضافة إلى تنفيذ أجندة تخدم التنظيم الدولي «للإخوان المسلمين»، وليس ممارسة دبلوماسية موازية، تخدم المصالح الوطنية، وهو ما كشفته رئيسة حزب الدستوري الحر «عبير موسي»، فيما بعد.


تفسيرات الإخفاق


وفي هذا السياق، عقدت جلسة عامة في مجلس نواب الشعب التونسي بتاريخ 3 يونيو/‏ حزيران الجاري، لإعلان رفض التدخل الخارجي في ليبيا، ومناقشة السياسة الدبلوماسية البرلمانية في ما يتعلق بالوضع في ليبيا، ومساءلة الغنوشي في ضوء مواقفه السابقة التي أخلّت بتلك السياسة، وقد شهدت الجلسة خلافات وسجالات بين عدد من النواب، ما أدى إلى رفعها قبل أن يتم استئنافها من جديد، وفي نهاية الجلسة طلب «الغنوشي»- بناءً على منصبه- من رؤساء الكتل الاجتماع فيما بينهم للمناقشة. غير أن الجلسة لم تنجح في مساءلة الغنوشي، لعدد من العوامل، وهي:

1- رفض نواب البرلمان تمرير اللائحة المقدمة من الدستوري الحر: قدم «الحزب الدستوري الحر» (16 عضواً بالبرلمان) لائحة تلزم البرلمان بإعلان رفضه التدخل العسكري في ليبيا، والتزام تونس مبدأ الحياد، إلا أن نواب البرلمان رفضوا تمرير هذه اللائحة حيث وافق عليها 94 عضواً فقط، من إجمالي عدد أعضاء البرلمان (217 عضوا)، بينما تتطلب الموافقة عليها 109 أصوات، وفقاً للمادة «141» للنظام الداخلي للبرلمان.

2- مناصرة حلفاء حركة النهضة داخل البرلمان التونسي، حيث نجحت الكتلة الممثلة لحركة النهضة (54 نائباً) والكتل المتحالفة معها داخل البرلمان، وخاصة «ائتلاف الكرامة» (19 نائباً)، في الدفاع عن إقالة الغنوشي، ورأت أن المشكلة تكمن في ما أسمته «العقد الأيديولوجية» التي يكنها المعارضون لحركة النهضة.

3- ضعف تأثير الوقفات الاحتجاجية المناوئة للنهضة: وبالتزامن مع انعقاد جلسة مساءلة الغنوشي داخل البرلمان، برز ما يعرف ب«اعتصام رحيل 2»، إذ قام أنصار الحزب الدستوري الحر بتنفيذ وقفة احتجاجية أمام المبنى الفرعي لمجلس نواب الشعب بباردو، تزامناً مع الجلسة المنعقدة لمساءلة رئيس البرلمان «راشد الغنوشي»، حيث طالبوا بتنحيته من منصبه. غير أن التقديرات المختلفة كانت تشير إلى قلة الأعداد المشاركة في تلك الاعتصامات في إطار الالتزام بالإجراءات والتدابير الحكومية الخاصة بمواجهة جائحة كورونا.


مكاسب مقابلة


وعلى الرغم من الإخفاق الذي مني به خصوم حركة النهضة داخل تونس، من عدم إقالة الغنوشي، إلا أن هناك جملة من المكاسب قد تحققت، وهو ما يمكن توضيحه في ما يلي:

1- تحجيم صلاحيات راشد الغنوشي كرئيس للبرلمان التونسي، سواء على المستوى الداخلي، أو الخارجي. فعلى الرغم من أن موجة الاحتجاج كانت منصبّة على توريط الغنوشي للبلاد بالانحياز لطرف في صراع سياسي وعسكري لإحدى دول الجوار الجغرافي، والاستقطاب نحو أحد المحاور الإقليمية المتمثلة في محور «تركيا/‏ قطر»، إلا أن ذلك قد يعطي إشارة إنذار للغنوشي لمنع توجهه نحو تعيين موظفين، أو إسناد عقود عمل لموالين لحركة النهضة. ولعل ما يدعم صحة هذا التحليل توقيع آلاف التونسيين عريضة إلكترونية تطالب بمساءلة عدد من السياسيين عن مصدر ثرواتهم منذ ثورة 2011، ومنهم الغنوشي.

2- تبلور اتجاه رافض لاستمرار ترؤس الغنوشي حركة النهضة: ساعدت الحملة التي تقودها الأحزاب السياسية المعارضة لرئيس البرلمان «الغنوشي» في تغذية الاتجاه الناشئ داخل حركة النهضة والرافض لاستمرار «الغنوشي» في رئاسة الحركة أكثر من ذلك (تولاها مرتين)، وهو الاتجاه الذي يقوده ما يسمى «مجموعة الوحدة والتجديد» بقيادة عدد بارز من القادة ذوي الثقل داخل الحركة، حيث سيستندون إلى جملة الانتقادات والاتهامات الموجهة ضد «الغنوشي» لتبرير رفضهم التجديد له في رئاسة الحركة خلال المؤتمر العام القادم لها، بل إن الاجتماع المرتقب للحركة سيركز على مناقشة «شرعية القيادة الحالية».

* رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية.
مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"