القتل تأديباً

02:57 صباحا
قراءة 3 دقائق
أبوظبي: آية الديب

تحفل ساحات المحاكم وحياة الأطراف التي تلتقي فيها بقصص تعكس في جانب منها الصراعات القديمة المتجددة بين الخير والشر، بين الطمع والقناعة، بين نفوس ترتوي بظلم الآخرين وأخرى تنفق شهوراً، وربما العمر كاملاً، بحثاً عن حق. في تفاصيل هذه الصراعات تحاول العدالة ما استطاعت أن تكون صاحبة الكلمة العليا لتستقيم الدنيا، وفي ثنايا المواجهات بين الأطراف المتخاصمة تتدفق المفاجآت والعبر.
حارت في أمر زوجها، فمنذ أسبوعين وهي تشعر بنفوره منها. حاولت في بادئ الأمر التقرب إليه ومحادثته، لكن محاولتها كانت دون جدوى، وفي مساء اليوم ذاته أكد لها أن أموره على ما يرام.
وفي صباح اليوم التالي لم تستطع الانتظار حتى انتهاء ساعات عملها لأن صراع المخاوف والشكوك كاد أن يفتك برأسها، فاتصلت بزميلتها في العمل وأخبرتها بأنها ستتأخر ساعة لظرف شخصي واتجهت لتحتسي القهوة مع صديقتها لتبوح لها بما في خاطرها، ووصفت معاملة زوجها لها بالرمادية التي لا تحمل إساءة وفي الوقت نفسه لا تحمل مشاعر حب. صديقتها سألتها عما إذا كان يغيب خارج المنزل أو يمسك بهاتفه لأوقات طويلة، أو ازدادت لقاءاته المعتادة مع أصدقائه، فأجابتها «بالعكس هو محب للمنزل ويقضي أغلب الوقت في اللعب مع طفلي الأكبر، وهو لا يمسك هاتفه إلا قليلاً وهذا ما يزيد حيرتي في أمره، فأنا أشعر بفجوة بيننا بلا سبب».
بعد هذه الإجابات لم تجد صديقتها سوى طمأنتها مؤكدة لها أن كل الأزواج يمرون بفترات تتسم بالفتور. هدأت كثيراً بعد كلمات صديقتها ونظرت في هاتفها لتجد أن الساعة التي تم منحها إياها للخروج من العمل على وشك الانتهاء، فأسرعت إلى سيارتها برفقة صديقتها التي طلبت منها إيصالها إلى أحد مراكز التسوق، وإذا بزميلتها في العمل تتصل بها وتطلب منها إحضار أحد ملفات العمل التي كانت قد أخذته معها قبل أسبوع لمراجعته في المنزل، وهنا اضطرت لتغيير مسارها والتوجه إلى المنزل وحينما وصلت قررت الوقوف قليلاً أمام باب منزلها لتستمع كيف تعامل الخادمة أطفالها في غيابها، إلا أن ما سمعته كان مجيباً عن كل التساؤلات التي سيطرت عليها ليالي طويلة، إذ سمعت صوت زوجها داخل البيت على الرغم من مغادرته المنزل قبلها متجهاً إلى عمله، وكان يركض وراء الخادمة لإقامة علاقة معها قبل أن يستيقظ الأطفال والخادمة تنساق معه بسعادة.
فكرت للحظات في طرق الباب ومواجهتهما، إلا أنها خافت أن يستيقظ أطفالها على مشاجرة حادة لا تعلم إلى أين سينتهي مطافها، فعادت منهارة إلى سيارتها وتلعثم كلامها دقائق، ثم استطاعت إخبار صديقتها التي كانت تنتظرها في الخارج بما سمعته فنصحتها بالتمهل والتفكير بهدوء، وفي هذه الأثناء خرج الزوج من المنزل عائداً إلى عمله، فقررت الصديقتان الدخول إلى المنزل لتوبيخ الخادمة وتأديبها وطردها، إلا أن الزوجة بمجرد رؤيتها الخادمة على فراشها، فقدت السيطرة على ذاتها وانهالت عليها ضرباً بعصا خشبية في أنحاء متفرقة من جسدها، وحينما رأت صديقة الزوجة حالتها المنهارة هذه، لم تتمالك ذاتها وشاركت صديقتها في ضرب الخادمة بكلتي يديها على وجهها ورأسها، وواصلت الاثنتان ضربها في عموم جسمها ما أدى إلى توقف قلبها وتنفسها ومفارقتها الحياة.
أسندت النيابة العامة إلى السيدتين تهمة قتل المجني عليها عمداً، وفي التحقيقات اعترفت السيدتان بضرب المجني عليها، كما أكد تقرير الطبيب الشرعي أن إصابات المتوفاة جنائية تعزى إلى الإصابات الجسيمة المتعددة المنتشرة في عموم جسدها ما أدى إلى توقف قلبها وتنفسها.
قضت محكمة أول درجة حضورياً بمعاقبة السيدتين المدانتين بالحبس سنة وستة أشهر، ثم قضت محكمة الاستئناف بتعديل الحكم إلى حبس إحداهن 7 سنوات والأخرى 3 سنوات بعد سقوط القصاص بسبب عفو أولياء الدم، فطعنت المتهمتان على الحكم وطلبتا إعادة فحص العينات المأخوذة من جسم المجني عليها واستدعاء الطبيبة الشرعية لتبين سبب وفاة الخادمة مؤكدتين انتفاء القصد الجنائي، لأن ضرب المجني عليها كان بقصد التأديب لا بنية القتل، إلا أن المحكمة الاتحادية العليا رفضت الطعن مشيرة إلى اعترافهما بضرب المجني عليها ما أدى إلى وفاتها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"