مهادنة «الفيتو» الأمريكي

03:15 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

في صمت وقلق تتابع «إسرائيل» الأزمات المتلاحقة في العلاقات الأمريكية - الصينية، منذ وصول الرئيس دونالد ترامب إلى الحكم. كلما اشتعلت أزمة؛ ازدادت هواجس «الإسرائيليين» الذين يدركون أنهم غير بعيدين عن لهيبها، فلا تخفي أمريكا غضبها وقلقها من تنامي تعاونهم مع الصين، خاصة في مجالات التكنولوجيا المتقدمة والاتصالات.
المأزق الذي تواجهه «إسرائيل»؛ هو أن الاختيار بين العملاقين ليس مطروحاً؛ من أمريكا يأتي شريان الحياة، ومن المستحيل الاستغناء أو الابتعاد عنها. والتضحية بالمصالح الحيوية الضخمة مع الصين كارثة لا تحتمل.
ما يقال عن نفوذ «إسرائيل» في أمريكا، وقدرتها على التأثير في صناعة القرار صحيح تماماً؛ لكن تبقى أمريكا قوة عظمى قادرة عند الضرورة على فرض خطوط حمراء، لا تستطيع «إسرائيل» ولا غيرها من الحلفاء تجاوزها؛ عندما يتعلق الأمر بالمصالح العليا. قبل عقدين تقريباً كشر الحليف الأمريكي عن أنيابه؛ عندما حاول «الإسرائيليون» بيع نظام الاستطلاع الجوي فالكون- اواكس إلى الصين وتراجعوا في النهاية؛ إذعاناً لرغبة واشنطن.
وفي الشهر الماضي، تجهم الحليف الأمريكي مرة أخرى في وجه الصديق «الإسرائيلي»، وأجبره على إلغاء صفقة مع الصين؛ لبناء أكبر محطة في العالم لتحلية المياه بقيمة 1,5 مليار دولار، وكذلك استبعاد الشركات الصينية من مشروع شبكة الجيل الخامس للهواتف المحمولة.
التحذير الأمريكي كان واضحاً وحاسماً وعلنياً، وجاء على لسان مايك بومبيو وزير الخارجية خلال زيارته ل«إسرائيل» في مايو/أيار الماضي بقوله: إن بلاده لن تسمح للحزب الشيوعي الصيني أن يمد نفوذه إلى قطاع البنية التحتية أو الاتصالات في «إسرائيل». أي أنه رسم «للإسرائيليين» الحدود التي لا ينبغي تجاوزها في تعاونهم مع الصين، على الأقل حالياً.
فهمت «إسرائيل» الرسالة، وتلتزم حتى الآن بقدر معقول من الطاعة والانصياع، غير أنها لا تستطيع المضي بعيداً في الاستجابة لواشنطن إذا تمادت في مطالبها. مصالحها الاقتصادية مع الصين باتت من الضخامة والأهمية؛ بحيث تعد التضحية بها انتحاراً حقيقياً.

الصين من جانبها تبدى حرصاً مماثلاً على توطيد وتطوير علاقتها مع «إسرائيل». وتنظر إليها كشريك استراتيجي؛ للحصول على التكنولوجيا المتقدمة. كما تعدها ركناً لا غنى عنه في استراتيجيتها للتوسع في منطقة شرق البحر المتوسط. ومحطة أساسية في مشروعها الضخم «الحزام والطريق»؛ لربط الأراضي الصينية بشرق وغرب أوروبا مروراً بآسيا.
واعتباراً من العام المقبل ستدير شركة صينية ميناء حيفا، وأقامت بالفعل رصيفاً بحرياً جديداً فيه. كما تتولى شركات صينية بناء ميناء جديد في اشدود. وتدير الصين ميناء بيريوس اليوناني، وتسعى لتطوير ميناء طرابلس اللبناني. وتخطط لمد خط للسكك الحديدية بين بيروت وطرابلس في لبنان، وحلب وحمص في سوريا. ولن تكون الصين بعيدة عن إعادة أعمار سوريا، وعينها على مينائي اللاذقية وطرطوس.
كل هذا لا يخفى على أمريكا التي تشعر بقلق حقيقي من تجسس الصين على اتصالاتها الحساسة بالأجهزة «الإسرائيلية». كما تخشى حصول الصين على التكنولوجيا المتطورة، واستخدامها في تحديث أسلحتها.
غير أن أمريكا لا تستطيع إرغام «إسرائيل» على إنهاء تعاونها مع الصين ليس فقط لأنه لم يعد بإمكان أي دولة حتى أمريكا نفسها الاستغناء عن الصين، ولكن أيضاً لأنه ليس لدى واشنطن استراتيجية متماسكة لاحتواء التمدد الصيني في الشرق الأوسط وليس في «إسرائيل» فقط. فضلاً عن أنها لا تملك البديل عوضاً عن الشركات الصينية.
ولا يمكنها تعويض «إسرائيل» عن منجم الذهب الذي تمثله السوق الصينية الهائلة، والتي استوعبت حتى الآن استثمارات نحو ألف شركة «إسرائيلية».
الأرجح أن أمريكا ستكتفي في النهاية بالخطوط الحمراء التي حددتها ل«إسرائيل» في تعاونها مع الصين. ولن تجد «إسرائيل» حرجاً في الانحناء لعاصفة الغضب القادمة من واشنطن، والإذعان للفيتو الأمريكي على أي صفقة مع الصينيين. وهؤلاء لا تنقصهم الحكمة كي يدركوا أنه إذا لم يكن بوسعهم ترويض الثور الأمريكي الهائج، فمن الممكن بسهولة مواصلة السير وتفادي الاصطدام به.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"