الاحتجاجات تطال تشرشل

03:22 صباحا
قراءة 3 دقائق
حافظ البرغوثي


دافع تشرشل عن استخدام الأسلحة الكيماوية، وكتب في مذكراته: «أقف بشدة إلى جانب استخدام الغازات السامة ضد القبائل غير المتحضرة».

التفرقة العنصرية ملازمة للعنصر البشري منذ بدء الخليقة، وإن اتخذت في الألفيتين الأخيرتين منحى عنصرياً يعتمد على اللون، لكنها في عصور سابقة كانت تفرقة عنصرية بين البيض أنفسهم، وتم استعباد البيض كالسود في الحقبة الرومانية، كما تم استعباد الشعوب المهزومة في الحروب، بغض النظر عن اللون.

ورغم أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي تعامل مع العبودية والرق من منطلق التحريم، إلا أن الرق ظل في الدول الإسلامية تجاه السود والبيض خاصة الأسرى والمماليك أيضاً.

وقد جاء مقتل الأمريكي جورج فلويد، ليكشف أن جذور العنصرية ما زالت موجودة لدى البيض في الولايات المتحدة وأوروبا، حيث نشهد حالياً انتفاضة ضد التفرقة العنصرية برزت في مواجهتها حركات عنصرية فاشية في الولايات المتحدة وبريطانيا تؤمن بتفوق العرق الأبيض وتعارض إزالة رموز الرق والعبودية، متمثلة في تماثيل لتجار الرقيق في بريطانيا، وجنرالات حرب أمريكيين قاتلوا ضد إلغاء العبودية في الحرب الأهلية الأمريكية. وكذلك محاولات إزالة تمثال ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا الشهير الذي خرجت منه مواقف عنصرية متطرفة. فقد حطم محتجون في الولايات المتحدة تمثال المكتشف والرحالة كريستوفر كولومبوس إضافة إلى تماثيل رموز الكونفدرالية، وسط تزايد الضغوط على السلطات، لإزالة تماثيل مرتبطة بحقبة العبودية والاستعمار.

وكان من بين التماثيل التي أطيح بها تمثال رئيس الولايات الكونفدرالية جيفرسون ديفيز.

وأعادت الاحتجاجات ضد العنصرية إلى المشهد الجدل حول التماثيل المتعلقة بتاريخ الولايات المتحدة.

وكانت تماثيل الكونفدرالية، وهي مجموعة من الولايات الجنوبية التي قاتلت خلال الحرب الأهلية التي دارت بين 1861-1865 من أجل الحفاظ على العبودية، بين التماثيل التي استهدفها المحتجون.

ويحتفي الكثيرون في الولايات المتحدة بذكرى كولومبوس، إذ ينسب له اكتشاف «العالم الجديد» أي الأمريكتين في الكتب المدرسية في القرن الخامس عشر. لكن نشطاء من السكان الأصليين كثيراً ما اعترضوا على تكريم كولومبوس، قائلين إن بعثته أدت إلى الاستعمار وإبادة أجدادهم.

ما يهمنا ما يحدث في بريطانيا من هجمة على تمثال تشرشل وتجار العبيد، حيث كان تشرشل قد عبّر علناً عن مواقفه العنصرية، وهو الأب الروحي لرئيس وزراء بريطانيا الحالي بوريس جونسون الذي سبق له أن ألف كتاباً عن تشرتشل وشرح فيه موقفه من القضية الفلسطينية وهو بعنوان: «تشرتشل صانع الشرق الأوسط المعاصر» والكتاب محاولة من جونسون لتبرئة تشرتشل من دم القضية الفلسطينية. ويقول جونسون إن تشرتشل لعب دوراً أساسياً في نشوء دولة «إسرائيل» والعراق وتقسيم الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الأولى عندما كان يشغل منصب وزير المستعمرات ولكنه اعتمد في خياراته على آراء مستعربين وأدرك أهمية التناقضات الدينية والطائفية.

وحاول التوصل إلى مساومات إزاء الوعود التي قدمتها الامبراطورية البريطانية خلال الحرب العالمية الأولى، خصوصاً للقادة العرب وللشريف حسين بإقامة الدولة العربية من فلسطين إلى العراق، مكافأة لهم على دعمهم بريطانيا ضد ألمانيا وتركيا في الحرب العالمية الأولى. لكن ما كشف عنه من أقوال لتشرشل تؤكد نزعته العنصرية الكريهة فقد أدلى بشهادة أمام اللجنة الملكية الفلسطينية للتحقيق (التي كانت مسؤولة عن التحقيق في أسباب اندلاع الثورة في فلسطين أثناء الانتداب البريطاني) حيث قال إنه لا يعترف بوجود خطأ كبير بحق سكان أمريكا الأصليين، أو بحق الأبورجينال، السكان الأصليين لأستراليا، إضافة إلى قوله: «إنه سباق الجنس الأقوى، سباق الجنس الأرقى، سباق الجنس الأكثر حكمة». ولا نعرف لماذا قال هذا الكلام للجنة تحقيق حول فلسطين، لأن سياقه غير متسق مع عمل اللجنة، لكن يبدو أنه قال كلاماً مؤيداً لقمع السكان الفلسطينيين الأصليين والثورة الفلسطينية بأقسى الوسائل وهذا ما حدث.

كما دافع تشرشل عن استخدام الأسلحة الكيماوية، وكتب في مذكراته: «أقف بشدة إلى جانب استخدام الغازات السامة ضد القبائل غير المتحضرة».

ويتعلق الانتقاد الآخر بدوره في المجاعة التي أصابت إقليم البنغال عام 1943، ومات بسببها 3 ملايين شخص على الأقل، بعد أن منعت قوات الحلفاء حركة نقل المواد الغذائية في المنطقة.

وإذا كان هناك من محاسن لمقتل جورج لويد البريء، فهي أنه كشف الستار الخفيف الذي كان يغطي المشاعر العنصرية المتجذرة في أوروبا وأمريكا، وعّرت كثيراً من رموز العنصرية..

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"