خطة فلسطينية.. لمواجهة «الضم»

03:18 صباحا
قراءة 4 دقائق
حلمي موسى

فور تشكيل الحكومة «الإسرائيلية» الجديدة التي أعلنت نيتها ضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية وغور الأردن، أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن السلطة الفلسطينية باتت «في حل» من اتفاقيات أوسلو ومن التنسيق الأمني مع الكيان.
احتار الكثيرون في معرفة تفاصيل ومعنى الإعلان الفلسطيني، خصوصاً أن السلطة الفلسطينية ذاتها نشأت على قاعدة هذه الاتفاقيات. ورأى البعض في هذا الإعلان رداً عملياً على قرار الضم المتوقع، في حين رأى آخرون أنه ليس سوى رد فعل عاطفي يفتقر إلى خطة عمل محلية وإقليمية ودولية مطلوب اتباعها.


خطة عمل


وبعد ذلك، عقدت الهيئات والفصائل الفلسطينية اجتماعات، واتخذت قرارات، وأصدرت بيانات، هددت فيها بأن قرار الضم، إذا ما اتخذ، سيشكل بداية لمرحلة نضالية جديدة. غير أن هذه القرارات والبيانات لم تقدم خطة عملية لمواجهة الضم، ولم تحدد بشكل واضح وجهة الأمور. ويمكن القول إن أوضح كلام، بهذا الشأن، صدر عن رئيس الحكومة الفلسطينية محمد اشتية، في مؤتمر صحفي عقده بعد مداولات مطولة في حركة فتح ومع عدد من الفصائل. وأعلن اشتية أن «السلطة الفلسطينية تنظر وتدفع باتجاه ألا تقوم «إسرائيل» بالضم، ولكن إذا قامت بذلك سوف يكون هناك مجلس تأسيسي وإعلان دستوري، وسوف تكون فلسطين على حدود 67 وسوف ندعو العالم للاعتراف بذلك». وأكد اشتية أن خطة الضم الصهيونية تشكل تهديداً حقيقياً وخطيراً للفلسطينيين وتطلعاتهم الوطنية، ولفكرة الدولة الفلسطينية المستقبلية، ورأى أن المجتمع الدولي سوف يختار القانون الدولي وليس مشروع «الضم».


المواجهة


غير أن كلام اشتية عن المجلس التأسيسي والإعلان الدستوري يعني الإعلان من جديد عن قيام دولة فلسطين أو محاولة تجسيد سيادة هذه الدولة المعلنة في الماضي على أراضيها. ومن الوجهة العملية لا يتضمن الإعلان أي شيء جديد، لأنه يشير إلى ما يفترض أنه كان السياق العملي لاتفاقيات أوسلو التي بنيت على فكرة أو وهم الوصول إلى إنشاء الدولة الفلسطينية على جزء من أرض فلسطين.
غير أن الفلسطينيين ليسوا معدومي الإرادة في مواجهة خطة الضم. وتكفي هنا النظرة إلى واقع أن اتفاقيات أوسلو نفسها أبرمت بعد أن عجز الاحتلال عن تطويع إرادة الشعب الفلسطيني ووأد مقاومته الباسلة. وكانت تلك الاتفاقيات واحدة من ثمار الانتفاضة الفلسطينية التي أظهرت أمام العالم الوجه البشع للاحتلال، ودفعت رئيس الحكومة آنذاك، اسحق رابين، لتبرير الاتفاق بحاجة الاحتلال إلى أن يدير الفلسطينيون حياتهم «من دون منظمات حقوق إنسان ومحكمة عليا». ولا يزال سارياً التخوف الصهيوني من أن ضم الأراضي الفلسطينية يعني إما زوال الطابع اليهودي للدولة العبرية وإما ترسيخ نظام تفرقة عنصرية لا يقبل به العالم.
ويعتقد مراقبون أن خطة السلطة الفلسطينية لمواجهة قرارات الضم تعتمد على وجهتين مركزيتين؛ أولاهما دعوة العالم لتحمل مسؤولياته، والثاني إشعار الاحتلال بالثمن الباهظ لقرار الضم. وكتبت «نيويورك تايمز» في هذا السياق أن الفلسطينيين ميالون لإجبار الاحتلال على تحمل كامل المسؤولية كمحتل عسكري عن حياة أكثر من مليوني فلسطيني في الضفة الغربية. وأن التهديد الفلسطيني الفعلي يتمثل بترك السلطة تنهار مع ما يمثله هذا من خطر على استقرار المنطقة وعلى العلاقات بين الكيان والدول العربية.


تردد أمريكي


وليس مصادفة أن يكتب بن كسبيت في «معاريف» عن الخطر الفوري والواضح «في قرار الضم الذي يمكن أن تتخذه حكومة الاحتلال. ويجري الحديث حالياً عن نوع من التردد لدى الإدارة الأمريكية بعد فشل ضغوطها في لي ذراع السلطة الفلسطينية وجلب التأييد العربي لخطة صفقة القرن. وهذا يقود بشكل واضح إلى ماهية موقف المؤسسات الصهيونية من الضم وفرص تنفيذه. وقد أشار كسبيت إلى أن نتنياهو يريد فعلياً الضم، ولكنه على علم بالمصاعب المتراكمة. شريكاه بيني غانتس وغابي أشكنازي يغوصان الآن في هذا الموضوع بمشاعر مختلطة. فهما يدركان حجم الفرصة التاريخية، ولكن لا أحد يعرف مدى المخاطر أكثر منهما».
أضاف: «ولهذه المعادلة ينبغي أن يضاف العالم العربي، الذي بخلاف وعود ديفيد فريدمان وجارد كوشنر، لا يأتي زرافات لتأييد الضم؛ أوروبا الشكاكة/‏ المهددة (وإن لم يكن بالعقوبات)، إرهاصات الانتفاضة الثالثة في المناطق، وتهديدات الملك عبدالله. وستحصلون هنا على وجع الرأس».
ولخص رئيس مركز «مسارات» للدراسات، هاني المصري محركات الموقف الرسمي الفلسطيني من الضم بأنه مراهنة على عدم رغبة الاحتلال في الاستغناء عن الفوائد التي يحققها له وجود السلطة وعلى أن تؤدي التحركات الدولية إلى إلغاء مشروع الضم أو تأجيله. ومن المنطقي الافتراض أن موقفاً كهذا يعتمد واقعياً على إدراك لخطر استمرار الانقسام الفلسطيني ومعرفة للواقع العربي المحيط. فعجز الفلسطينيين، خصوصاً فتح وحماس، عن التوصل لبرنامج سياسي موحد للعمل في الظروف الراهنة، يعيق بشكل جوهري الاتفاق على خطة عمل فعلية لمواجهة المشروع الصهيوني. وإذا أخذنا في الحسبان أن التشرذم ليس فقط قصراً على الفلسطينيين، وإنما هو قائم في الوضع العربي عموماً، فإن الحيرة تجاه مشروع الضم هي سيدة الموقف هنا أيضاً. ومع ذلك فإن الظروف الدولية عموماً والأمريكية خصوصاً تجعل مسألة الضم وإلحاحيتها تحت علامات استفهام كبيرة.


ضرورة إنهاء الانقسام


فنتنياهو يريد الضم تحقيقاً لأحلام وصرفاً لأنظار عن مشاكله الخاصة. وقادة اليمين «الإسرائيلي» يرون فيه استغلالاً لفرصة قد لا تتكرر بوجود رئيس أمريكي مناصر جداً لهم. والشارع الصهيوني لا يستشعر خطراً جسيماً جراء الضم، إذا ما تحقق، لكنه مضطر لسماع تحذيرات المؤسسة الأمنية والدبلوماسية والبحثية من المخاطر المتوقعة. وهذا كله ينذر بإشكالات داخل حكومة نتنياهو قد تمنع إقرار الضم خلال الفترة القريبة المحددة.
في كل حال، ورغم كثرة المواقف الفلسطينية الرافضة لخطة الضم، فإن المعيار الأساس لتحديد جدية هذه المواقف هو مدى سعيها لإنهاء الانقسام، وتوفير أرضية لعمل وطني شامل. ومثل هذا العمل لا بد أن يستند ليس فقط إلى مواجهة مشروع الضم، وإنما أيضاً إلى مراجعة أسس السياسة الفلسطينية وإعادة بناء منظمة التحرير.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"