«التخلي».. شعار الباحثين عن التحرر من السلوكيات الضارة

الخوف والتدخين وإدمان الحلويات تتصدر قائمة طويلة
03:03 صباحا
قراءة 5 دقائق
الشارقة: زكية كردي

في حياة كل منا أشياء نتعلق بها على الرغم من معرفتنا الواعية بأنها تعيق طريقنا للمضي قدماً في أحلامنا، وقد تتجسد هذه المعوقات في أشخاص أو عادات أو أشياء، أو قد تكون عبارة عن مخاوف لازمتنا ولم نعد نفكر في الانفصال عنها، وهنا يأتي دور «التخلي»، هذه القدرة الكامنة بسحرها الغريب، والتي يخبرنا عنها أشخاص مروا بتجارب «تخلٍّ» غيرت حياتهم.
لعل التدخين يعتبر من بين أبرز العادات التي تراود الذهن عند الحديث عن الأشياء التي يرغب الناس في التخلي عنها، فالأغلبية العظمى تدرك أهمية ترك هذه العادة المضرة، وكذلك صعوبة تنفيذ الأمر، وهذا يجعل الكثيرين يستبعدون فكرة التحرر منها لقناعتهم المسبقة بعدم قدرتهم على تجاوز هذا الأمر، لكن بعض التجارب تثبت أن فكرة الصعوبة ما هي إلا مجرد وهم، كما يؤكد فوزي أحمد مصطفى، صاحب محل، ويقول: لم أكن أعتقد يوماً أنني سوف أستطيع التخلي عن التدخين، ولطالما أخبرت من حولي بأنني لا أرغب أصلاً في التخلي عنه، لكن عندما يصبح الأمر ملحاً وضرورياً تختلف نظرتنا إليه، وخاصة بعد أن تسبب لي بالكثير من المشاكل الصحية التي جعلتني أرى الرعب في عيون أبنائي بأنهم على وشك أن يفقدوني، عندها أدركت أن علي مواجهة الأمر، فلا مزيد من التأجيل، ولم تكن التجربة سهلة، لكنها لم تكن بالصعوبة التي تخيلتها من قبل، ولم أدخن سيجارة منذ أكثر من خمس سنوات، ولا أشعر بأن شيئاً ينقصني.
وربما تلعب المشاعر دوراً كبيراً ومباشراً في تخلي الكثيرين عن التدخين، وأبرزها الخوف، لكن الصعوبة تكمن ربما في اتخاذ هذا القرار دون الشعور بالتهديد، والبدء بتنفيذه لتحسين جودة الحياة، هنا القناعة ذاتها تلعب هذا الدور، كما يوضح منصور درويش، مصمم ديكور، ويقول: لدى الكثير من المدخنين منطقة صراع داخلية تنقسم بين الرغبة في الاستمرار والاستمتاع بالحياة بعيداً عن التحديات، وبين الرغبة في حياة صحية ورئتين نظيفتين، وخاصة أن صورة المدخن اختلفت بين الماضي والحاضر حتى في الإعلام، فأصبح التدخين مظهراً منبوذاً في إعلام اليوم، في حين كان يرمز إلى الكثير من السمات التي تجذب الشباب، ولأنني بدأت أهتم بممارسة التمارين الرياضية والتركيز على تحسين جودة حياتي عموماً، كان لا بد من مواجهة نفسي في هذا الخصوص، واتخاذ هذا القرار أخيراً. ويوضح بأنه استعان بالأدوية بداية للتخلص من الرغبة في التدخين، وأنها أجدت نفعاً معه، لأنها كانت مدعومة بالقناعة التامة، وأنه استطاع أن يتجاوز عامين الآن بعيداً عن رائحة السجائر.


نظام غذائي


لعل الكثيرين اليوم يعون أن السكر لا يقل خطورة عن السجائر، ومع هذا يستمر معظم الناس بإدمانهم على الحلويات برغبة أقل في المقاومة، هذا الإدمان الذي بدأت تظهر نتائجه في قوالب حياتنا المعاصرة في انتشار البدانة، ومرض السكري، خاصة لدى الأطفال، لكن مع هذا يبقى القرار بالابتعاد عن عادات الطعام السيئة التي تعتمد على السكريات بنسبة كبيرة بعيداً، فالأمر معقد حسب فاطمة مطر، ربة منزل، وتقول: قرار ترك التدخين واضح، لكن الابتعاد عن السكريات يعني نظاماً غذائياً متكاملاً أنت تقاوم فيه منظومة كاملة من العادات الغذائية التي تربينا عليها ابتداءً من رغيف الخبز، وليس انتهاءً بقطعة الكنافة، ولهذا يفشل الكثيرون مثلي بالتخلص من إدمان السكر، ويلجؤون إلى العمليات الجراحية لمساعدتهم كحل بديل، لكنني أدرك أنه ليس حلاً صحياً ولا نهائياً.
ويبدو أن الكثيرين في يومنا هذا يقللون من شأن الإرادة البشرية وقدراتها حسب مريم عبدالله، ربة منزل، وتقول: عانيت لفترة من حياتي إدمان الطعام كالكثيرين، وخاصة السكر، وكنت أعتقد أن التخلي عن هذا الإدمان في غاية الصعوبة، لكنني عندما شعرت بالخطورة عند مواجهة الميزان، ولأني أخاف من العمليات الجراحية استطعت أن أقف أمام نفسي، وأقول «كفى»، وبالفعل نجح الأمر كما لم أتوقعه، واستطعت التخلص من هذا الوهم بمساعدة قوة الإرادة وحدها.


متابعة الدراسة


بعض الأشخاص يكون تأثيرهم في حياتنا مضراً أيضاً، خاصة إذا كنا متعلقين بهم، كما تؤكد رزان وتار «ربة منزل»، وتقول: تكمن خطورة التعلق في قدرة الآخر على التأثير بشكل مباشر في حياتنا وسلوكياتنا، خاصة في مقتبل العمر، كما حصل مع ابنة صديقة لي خطبها شاب معقد كان كل تركيزه منصباً على الحد من طموحها وآمالها، إذ بدأ يقنعها بالتوقف عن متابعة الدراسة ويلهيها عن مخططاتها لعلمه أنها متفوقة دراسياً، وأنها ستنال درجة جامعية أعلى منه، وهو ما قد يؤهلها لنيل فرص وظيفية وتقدير أفضل منه أيضاً، بالطبع هو لم يكن يحبها، بل يغار منها، ويعمل على تدميرها، لكن وعي الأم كان له بالمرصاد، لتتمكن من مساعدة ابنتها على الابتعاد عن هذا الشخص قبل أن يتمكن من إيذائها، لكن بالطبع لم تكن التجربة سهلة، وتضيف بأن الكثيرين يقابلون أشخاصاً من هذا النوع في حياتهم، ويحتاجون إلى المساعدة على التخلي والمضي قدماً.
تجربة تخلٍّ أخرى نستعرضها، ولكنها تتعلق بالخوف، فلكل منا مخاوف خاصة به كما تذكر مايا خضور «طالبة جامعية»، والتي عليها مواجهتها والتخلص منها قبل أن تؤثر في شخصيتها تأثيراً مباشراً، هذا الإدراك هو الذي يدفع الناس لعبور الجسور المرتفعة وهم يرتجفون خوفاً، لأن في هذا علاجهم، وتقول: كنت أعاني بسبب خوفي من قيادة السيارة، خاصة أنني مضطرة لقيادة السيارة من وإلى الجامعة يومياً، فلا خيار لدي، في البداية كنت أرتجف وأتعرق كلما جلست خلف المقود، ثم قررت أن أعالج الأمر من جذوره، وبدأت أبحث عن طريقة فعالة لمواجهة خوفي، فوجدت أن التخلي عن هذا الخوف يبدأ بالاعتراف به، ومن ثم مواجهته، وبالفعل بدأت أتدرب على الأمر، وأتقمص شخصية والدتي وهي تجلس بهدوء واسترخاء خلف المقود حتى نجح الأمر.


أفكار واعتقادات


التخلي عن عادات أو علاقات سيئة بحياتنا أمر صعب لأنه مرتبط بمسارات عصبية بالدماغ وبتاريخ طويل من الذكريات الشعورية التي يتعطش لها دماغنا ويجعل تركها صعباً، ويكمن التحدي الذي يقف أمامنا عند التخلي بالوعي بجذر المشكلة وحاجاتنا النفسية وسبب التعلق، وحتى نتوصل لهذا الوعي نحتاج إلى البحث بعمق في تجاربنا القديمة والأفكار والاعتقادات التي لدينا كما توضح د. بنان بكّار، مدربة تنمية بشرية وصاحبة مشروع «تخلّ»، وتقول: لمعرفتي بمدى صعوبة التخلص من العادات والسلوكيات التي تعيق معظم الناس عن تحقيق غاياتهم في الحياة عملت على تصميم «تخلّ» وهو عبارة عن تجربة حسية تهدف إلى التغيير والمساعدة في رفع الوعي حول ذواتنا، وهو مزيج بين التجربة الحسية وبين التدريب الجماعي والمتابعة الفردية.
وتضيف: أعمل من خلال هذه التجربة على فتح آفاق الوعي الشخصي ومعرفة الجذور، بينما يعطي التدريب الجماعي الدعم والمتابعة لمدة شهر كامل لضمان التغيير والنتائج، وفي نهاية التجربة يخرج كل مشترك مسلحاً بخارطة طريق وخطوات عملية تساعده على التخلِي عن التدخين والتعلق العاطفي بالطعام، وغيرها من العادات والسلوكيات التي يرغب الأشخاص في التخلي عنها لأنها تؤثر بشكل كبير في حياتهم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"