طعنات غادرة

03:04 صباحا
قراءة 3 دقائق
كتب: إيهاب عطا

تحفل ساحات المحاكم وحياة الأطراف التي تلتقي فيها بقصص تعكس في جانب منها الصراعات القديمة المتجددة بين الخير والشر، بين الطمع والقناعة، بين نفوس ترتوي بظلم الآخرين وأخرى تنفق شهوراً، وربما العمر كاملاً، بحثاً عن حق. في تفاصيل هذه الصراعات تحاول العدالة ما استطاعت أن تكون صاحبة الكلمة العليا لتستقيم الدنيا، وفي ثنايا المواجهات بين الأطراف المتخاصمة تتدفق المفاجآت والعبر.
«كوافيرة عربية تقتل خليجياً وتسرقه وتفر هاربة إلى موطنها» هكذا انتفض الشارع الإماراتي على عناوين الصحف والمواقع الإخبارية، بعد أن استيقظ على تفاصيل جريمة بشعة، حيث قامت مقيمة عربية في العقد الرابع من العمر بقتل زوجها الخليجي في العقد السادس من عمره، واستغلت عدم معرفة أهله بزواجه واستدرجته وأقنعته بالزواج منها خفية لكونه متزوجاً من إحدى بنات وطنه وله منها أبناء، وبعد أن تزوج من الكوافيرة سراً أصابت منه مالاًَ كثيراً نقداً، وأغرته حتى أنشأ لها صالون حلاقة نسائياً، واشترى لها منزلاً باسمها، ثم قررت أن تبيع تلك الممتلكات وتأخذ ما تقع يداها عليه من أموال كان يخبئها في خزانة الملابس في بيتها وتفر هاربة، إلا أنه اكتشف خطتها وواجهها، فثارت غاضبة في وجهه قائلة إنها لم تعد ترغب في الحياة معه، لأنها في ريعان شبابها بينما هو مقبل على الشيخوخة، وهكذا نشبت بينهما مشادة انتهت بدخولها إلى المطبخ حيث استلت سكيناً وجهت به إلى جسد زوجها طعنات أردته قتيلاً.
«لماذا فعلت هذا.. لماذا قتلتني.. وأنا أحبك؟»
هكذا وجه الزوج المغدور كلماته الأخيرة إلى الزوجة الغادرة، وقد ملأت الصدمة والدهشة من فعلتها البشعة نظرات وجهه وملامحه، ولسان حاله يقول لها: ألم أفضلك على أم أولادي وأتزوجك؟ ألم ألب لك كل طلباتك؟.
لم تحرك تلك الكلمات قلب تلك الزوجة الخائنة لزوجها، قد لا تكون خائنة بالمعنى المتعارف إليه من خيانة زوجية لكنها خيانة المبدأ والهدف، ففي الوقت الذي كان يعد لها فيه مفاجأة حيث قرر أن يسافرا معاً ويستقرا في إحدى دول أوروبا ويشتري لها منزلاً ويفتح لها مشروعاً تجارياً، وبذلك تبتعد عن عن أسرته الأولى فقد لاحظ أن الغيرة دبت في قلبها لمجرد أنه يبدي اهتماماً بأولاده، ولاحظ أنها كانت تحمل في نفسها لزوجته الأولى وأبنائه كل الحقد والكراهية رغم أنه لم يبخل عليها بشيء، لكن كل هذا لم يرو ظمأها ولم يطفئ نار حسدها وغيرتها وحقدها، فقد كانت ترى أنها أحق بكل هذا، ولا حق لأولاده ولا لزوجته، فهي التي وافقت على الزواج منه رغم كبر سنه وكانت تتمتع بقدر كبير من الجمال، وكانت تنتظر المزيد وتقلل من حجم ما يعطيها وترى أنه لا يوازي جمالها وعليه أن يزيد العطاء.
- «انت تحمد ربنا إني قبلت أعيش معاك في يوم من الأيام.. أعطيتك جمالي وشبابي، لن أتركك تضيع باقي حياتي معك، المستقبل ينتظرني، أريد أن أعيش حياتي التي كادت أن تقتل معك». هكذا جاء ردها على سؤاله الحزين قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، وتصعد روحه إلى بارئها.
أسرعت الزوجة القاتلة في جمع أغراضها لتهرب بعد أن ارتكبت جريمة لم تكن تخطط لها، فقد كان حلمها هو أن تهرب من دون أن يشعر بها أو يعرف بذلك إلا وهي في بلدها، وكانت قد حجزت تذكرة الطيران وأعدت للهروب عدته، ولم تطمئن إلى مقتل الزوج المسكين، حتى تركته جثة هامدة في منزلها الذي باعته، واتجهت نحو المطار وعبرت بوابة المغادرة ووصلت إلى بلدها، ولم يتم اكتشاف جريمة القتل إلا بعد أن تحللت الجثة وانتشرت رائحتها في المكان فشك الجيران في وجود شيء غريب، واتصلوا بالشرطة ليكسروا باب الشقة ويجدوا الجريمة، وكان أهل المغدور قد حاروا في أمر اختفائه وتعبوا من البحث عنه، فليس من عادته ألا يرد على هاتفه، أو يمتنع عن زيارة أهله وزوجته الأولى أكثر من يومين أو ثلاثة على أقصى تقدير، وعندما يتأخر عن زيارتهم كان يعتذر بانشغاله بعمله في منصب مرموق كان يتطلب أن يعمل أحياناً في شكل مناوبات حتى ساعات الصباح الأولى، وفي أحيان أخرى يبيت في العمل.
باشرت الجهات القضائية التحقيق في الجريمة وكشفت ملابساتها، وتوصلت في النهاية إلى حقيقة الزوجة القاتلة التي لم يكن يعلم بها أحد، وصدر حكم الإعدام ضدها غيابياً عقاباً لها على جريمتها، إلا أنها استأنفت الحكم ليصبح السجن المؤبد.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"