مصر في مواجهة خطرين

04:08 صباحا
قراءة 3 دقائق
حافظ البرغوثي

تواجه مصر تهديداً لأمنها القومي في الغرب من خلال التدخل التركي في ليبيا، وفي الجنوب من خلال سد النهضة .

أعادت تصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حول التوغل التركي في ليبيا نحو سرت، الأزمة الليبية إلى الصدارة الدولية. فقد قطع التدخل العسكري التركي شوطاً بعيداً في ليبيا وبات يهدد حدود مصر الغربية، حاملاً معه أطماعاً تركية في حقول النفط الليبية ومجاميع من المرتزقة والإرهابيين تم استقدامهم من سوريا ويعملون تحت راية تركيا لحسم المعركة لصالح حكومة السراج منتهية الصلاحية.

أخطبوط تركي معادي يحيط بالعالم العربي بدأ تحركاته العلنية في سوريا ثم في العراق، والآن ضد مصر، وهو المشروع التوسعي التركي، المكمل للمشروع الاستيطاني الصهيوني. هذا الأخطبوط كان نشطاً جداً في حقبتي الخمسينات والستينات لحصار المشروع القومي العربي الذي أطلقه الزعيم الراحل جمال عبد الناصر وقد نجح بعد عدوان 1967.

لقد طالب وزراء الخارجية العرب يوم الثلاثاء الماضي، إثيوبيا بعدم البدء في ملء خزان سد النهضة قبل التوصل إلى اتفاق، مؤكدين أن الأمن المائي المصري والسوداني جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي. وكانت مصر قد حذرت بلسان وزير الخارجية سامح شكري، من أنه إذا لم ينجح مجلس الأمن الدولي في إيقاف إثيوبيا عن بدء ملء سد النهضة قبل التفاوض، فإن مصر ستكون صريحة وواضحة في الإجراء الذي ستتخذه.

وهذا الموقف يأتي منسجماً مع تصريحات الرئيس المصري حول الوضع في ليبيا؛ حيث لوح بأن الجيش المصري قادر على العمل في الخارج، وبأن الظروف مناسبة للتدخل. وقد ركز الإعلام على جانب واحد من تصريحات السيسي بشأن ليبيا، لكن ما قاله الرئيس المصري هو رسالة تحذير لتركيا وغيرها. فمصر تاريخياً تدرك أن مياه النيل كانت موضع تآمر دولي لإضعافها منذ الحملات الصليبية؛ حيث كان هدف الحملة الصليبية الخامسة هو السيطرة على مصر والنيل، لأن الفرنجة في حينه أدركوا أن فشل الحملات الصليبية في المشرق سببه وجود الجيش المصري الذي قاتل وهزم الصليبيين والمغول معاً. كما أن رحلات الاستكشاف لتي قام بها فاسكو دي غاما للوصول إلى الهند والصين بطريق البحر كان هدفها السيطرة على منابع النيل تحت شعار ديني كاذب هو البحث عن مملكة يوحنا المسيحية الوهمية في إفريقيا، وقد بارك البابا آنذاك هذه البعثة التي تحولت في مرحلتها الثانية إلى حملة صليبية حقيقية قتلت العرب والمسلمين في مدن شرق إفريقيا وهي مدججة بأكثر من عشرين سفينة حربية وبالمدفعية وهدمت المساجد وأحرقتها، فكان الغزو البرتغالي انتقامياً ودموياً من الوجود العربي في الأندلس.

وقد أدركت مصر، أهمية تواجدها في دول منبع النيل في القرن الثامن عشر وما بعده واشترت أراضي فيها، بما في ذلك في كينيا وإثيوبيا، وبسط محمد علي باشا نفوذه في السودان بهدف الحفاظ على منابع النيل، إلا أن الخديوي إسماعيل من بعده كان مدفوعاً بوساوس مستشارين غربيين استعماريين، فحاول السيطرة على القرن الإفريقي بحملات عسكرية فاشلة هدفها استعماري وليس لحماية منابع النيل، لأن الغرب لا تهمه مصلحة مصر؛ بل البحث عن الذهب والتجارة.

وكان القاسم المشترك في الحملات المصرية أن الحملة الأولى قادها ضابطان دانماركي وأمريكي، والثانية سويسري، والثالثة قال عنها المؤرخ إلياس الأيوبي في كتابه «تاريخ مصر في عهد الخديوي إسماعيل باشا»: إنه لكي تتكون عند القارئ فكرة صحيحة عن صعوبات تلك الحملة، يكفي العلم بأن الكلام على ظهر السفينة الحربية «الدقهلية» كان يدور بالعربية والإنجليزية والألمانية والفرنسية والتركية والإيطالية والنرويجية وغيرها، كأن تلك السفينة برج بابل ثانٍ، وذلك بسبب اختلاف جنسيات الضباط المكونة منهم هيئة القيادة، فالهدف كان استعمارياً تلبية لمطالب الضباط الأوروبيين وليس لخدمة مصر، وانتهت الحملات بالفشل، لكنها تكللت بعد ذلك بمعاهدة صلح بين مصر وإثيوبيا

وبعد ذلك، وفي النهاية تم التوقيع على معاهدة تقاسم مياه النيل سنة 1902، ثم سنة 1926، وفي الحقبة الناصرية تميزت العلاقات مع الحبشة بالود، وحرص عبد الناصر وهيلاسي لاسي على توثيقها دينياً وثقافياً واقتصادياً.

القضية عملياً قضية حياة أو موت بالنسبة لمصر في مواجهة تركيا التي تسعى إلى مرج دابق جديدة على تخوم مصر، بعد أن عبرت تخوم سوريا والعراق وليبيا والصومال، وقضية ماء وحياة مع إثيوبيا. فإذا ذلت مصر ذل العرب.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"