مصير التنمر

05:19 صباحا
قراءة 3 دقائق
كتب: أمير السني

تحفل ساحات المحاكم وحياة الأطراف التي تلتقي فيها بقصص تعكس في جانب منها الصراعات القديمة المتجددة بين الخير والشر، بين الطمع والقناعة، بين نفوس ترتوي بظلم الآخرين وأخرى تنفق شهوراً، وربما العمر كاملاً، بحثاً عن حق. في تفاصيل هذه الصراعات تحاول العدالة ما استطاعت أن تكون صاحبة الكلمة العليا لتستقيم الدنيا، وفي ثنايا المواجهات بين الأطراف المتخاصمة تتدفق المفاجآت والعبر.
عاش (ع.ح) البالغ من العمر 14عاماً حياة ترف ودلال فوالداه لا يتآخران عن تنفيذ طلباته منذ أن كان صغيراً، وبعد أن أدركا عدم رغبته في التعليم منذ بداية دخوله المدرسة حاولا تغيير سلوكه ليصبح مثل باقي إخوته الذين تمكنوا من الاستمرار في السلم التعليمي بلا صعوبة ولم يتعب الوالدان في تربيتهم ومتابعة دروسهم كثيراً؛ بل إن الأخوات تفوقن فمنهن من وصلت إلى المرحلة الجامعية، وكان الجميع مطيعين ماعدا الابن الأوسط (ع.ح) فهو كثير اللعب ولا يقوى على تحمل المسؤولية والدراسة والجلوس للمذاكرة، ويتهرب من لقاء المدرسين الذين يساعدونه في الدروس بعد حصوله على درجات ضعيفة في المدرسة بسبب عدم تركيزه في داخل الفصل الدراسي، وإحداث الشغب مع زملائه داخل الفصل، وقد ورد من إدارة المدرسة عدد من الشكاوى لولي أمره بسبب تصرفاته الطائشة وتعامله العنيف مع زملائه ودخوله في صراعات وتحد معهم وإحداث فوضى في الفصل.
انضم (ع. ح) إلى شلة من الطلاب لا رغبة لديهم في التعليم و يفضلون التمرد على نظام الحياة وعدم طاعة المشرفين في المدرسة، فقرر أن يصبح زعيماً لهذه الشلة فكان يحاول أن يبرز قوته أمامهم حتى نجح في قيادتهم وصاروا يطيعون أوامره باعتباره الزعيم.
قررت إدارة المدرسة استدعاء والد (ع. ح) بسبب المضايقات التي يسببها لزملائه هو وشلته وأخبرته بما يحدث في المدرسة، وبدأ الوالد في تغيير معاملته مع ولده بعد أن كان يعامله بلين ورفق، لكنه اكتشف أن تلك الطريقة ساعدت على تمرده وسوء سلوكه فأصبح يعامله بحدة ويحذره من الذهاب مع تلك الشلة والالتفات إلى دروسه، ويذكره بتفوق إخوانه وأخواته في الدراسة وأن عليه أن يلحق بهم، لكن (ع.ح) استمر على طريقته يلتقي بشلة السوء في المدرسة ويتنمر على الطلاب ويتهجم على بعضهم بزعم أن لا أحد يقف في طريقه، ويحاول أن يثبت لشلته في كل مرة أنه قادر على إخافة كل من يلتقي به، وسيطرت عليه هذه الفكرة التي صارت هدفه ولم يعد ينظر إلى المستقبل وتحديد الجامعة التي يريد الدخول إليها مثل باقي الطلاب الذين يسعون إلى تحقيق أهدافهم بالمذاكرة والتركيز في الدروس وتحقيق النجاح وإسعاد أهليهم، وكان (ع.ح) عندما يرجع من المدرسة في الحافلة المدرسية يحدث الشغب مع شلته داخل الحافلة ومن بين الطلاب في الحافلة طالب يتسم بالهدوء الشديد ولا يتكلم كثيراً ويحاول الابتعاد عن المشاكل والزحمة ويحرص على الالتزام بمواعيد المدرسة وانتظار الحافلة أمام المنزل، فقصده (ع.ح) وكان دائماً يسخر منه ويجعل الآخرين يضحكون منه، لكن الطالب الهادئ كان يحاول أن لا يرد عليه ويجلس في مقعد بعيد عنه ومع ذلك لا يسلم من الشتائم والتنمر.
وذات يوم ركب الطالب الهادئ الحافلة وعندما هم بالجلوس على مقعده اعترضه (ع.ح) ووضع قدمه في الممر ليصطدم بها الطالب ويقع في الأرض ويضحك الجميع منه، إلا أن الطالب لم يتحمل تلك الاستفزازات وطلب من (ع.ح) التوقف عن تلك الأفعال، فما كان منه إلا أن هجم عليه وضربه في أنحاء متفرقة من جسده وركله بقدمه بمساعدة بقية الشلة، وفي تلك الأثناء كان أحد الطلاب يصور الحادثة وقام بنشرها على تطبيقات التواصل الاجتماعي حتى انتشرت القصة وصارت حديث المجتمع الذي استنكر تلك الحادثة، وحسمت إدارة المدرسة الأمر فقامت بالتعاون مع ولي أمر الطالب المتضرر بفتح بلاغ جنائي في مواجهة (ع.ح) وشلته فألقت الشرطة القبض عليهم ونقلتهم إلى «الإصلاح الأسري» وأصدرت المحكمة حكماً في مواجهتهم باستدعاء أولياء أمورهم وتوبيخهم وتحذريهم من إهمال أولادهم لأن ذلك سيعرضهم للسجن.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"