حروب عالمية افتراضية

04:30 صباحا
قراءة دقيقتين
مفتاح شعيب

يطرح الهجوم الكبير على حسابات شركات وشخصيات كبيرة في الولايات المتحدة تساؤلات مشروعة عن ظاهرة القرصنة الإلكترونية التي أخذت تتمادى وتأخذ أساليب وأهدافاً مختلفة، وربما تنبئ بما هو أسوأ في عالم يعيش على أعصابه، ويتخوف من نزاعات قد تندلع هنا أو هناك، ما يسهم فعلياً في ارتفاع منسوب التوتر، بالتوازي مع تراجع معايير المعاهدات والمواثيق وقيم التعايش الإنساني والرضى بتقاسم المصالح.
عمليات الاختراق الكبيرة المتكررة ستضع مزيداً من الأثقال والمسؤوليات على أجهزة الأمن السيبراني لحماية المعطيات الشخصية والأسرار المرقمنة، وبعضها يتصل بعصب الأمن والسياسة والاقتصاد، وأي خطأ أو سوء تقدير قد يودي بالأمن العالمي إلى كارثة. ومهما بلغت لغة التهوين من هذه الظاهرة، لا يمكن التقليل من خطورتها أو احتمال تطورها إلى مستويات أعنف من الصراع. وإذا كانت القوى الدولية تعتمد في جمع المعلومات عن بعضها بعضاً بزرع الجواسيس وتأجير العملاء، يبدو أن تلك الأساليب تجاوزها الزمن، ولم تعد تنفع في هذا العصر، ولذلك يوجد هذا التنافس الكبير على اكتساب أعلى درجات الذكاء الاصطناعي، الذي يبقى هدفاً محموداً إذا تم توظيفه في تجويد الحياة وتعميق العلوم لخير البشرية، أما اتخاذه أدوات للحروب والصراعات، فهو أمر خطير ولا يجب التغاضي عن تداعياته السيئة. والدليل على ذلك ما يحدث في ظل الجائحة الصحية كورونا، فقد أصبحت المعارك تخاض بين الأطراف الكبرى في العوالم الافتراضية من أجل توظيفها لاحقاً في المفاوضات أو حتى الحروب المباشرة.
من القضايا التي ما زالت مطروحة منذ أربع سنوات، الجدل الدائر حول التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية. ورغم رفض البلدين رسمياً مثل تلك المزاعم، إلا أن الفرضية، بقطع النظر عن منفذها، تبقى قائمة، وهناك هاجس كبير لدى الجميع بأن القرصنة الإلكترونية أصبحت السلاح الأمضى، لتحقيق الأهداف السياسية وتدمير العدو. وبضغط من هذا الهاجس اندلعت الأزمة بين الولايات المتحدة وعملاق التكنولوجيا الصيني «هواوي»، وما زالت المعركة مستمرة، وتستقطب مزيداً من «المقاتلين» ومنهم بريطانيا التي طلبت من شركاتها الاستغناء عن استخدام معدات هواوي في شبكة الجيل الخامس بحلول 2027. وبالمقابل، لا ترضى بكين الوقوف متفرجة، بل هي ماضية في مسار التطوير التكنولوجي الذي ساعد على تمدد قوتها الناعمة في أصقاع الدنيا، وتمكنها النسبي من التحكم في مسارات النمو ومفاصل التجارة العالمية.
ساعات بعد الهجمة الافتراضية، انطلقت اتهامات من الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا لقراصنة إلكترونيين من روسيا، بمحاولة سرقة أبحاث حول لقاح ضد فيروس كورونا. وبصرف النظر عن صحة هذا الاتهام من عدمه، إلا أنه يؤشر إلى طبيعة المعارك المستقبلية، التي يبدو أن أغلبها وأقساها سيدور في العالم الافتراضي، طالما أن الحروب المباشرة باتت شبه مستحيلة، بسبب توازن القوة المرعب، وتشابك الأهداف والمصالح والحلفاء والأعداء.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"