مالي وقبضة العسكر

02:45 صباحا
قراءة دقيقتين

مفتاح شعيب


لم تشذ العملية الانقلابية التي أطاحت رئيس مالي إبراهيم أبوبكر كيتا عن الإرث الإفريقي في الانقلابات العسكرية. مجموعة من الضباط والجنود يتمردون بحفلة إطلاق نار في ثكنة، ثم يمتطون عربات ودبابات باتجاه الإذاعة لإعلان البيان الأول وقصر الحكم لاعتقال الرئيس، والمحظوظ من الرؤساء من يستسلم طوعاً أو يفر لإحدى النواحي ليتمرد على الانقلاب.
الرئيس المالي كيتا كان محظوظاً جداً فقد خضع للاعتقال، وتحت الضغط أعلن الاستقالة وحل الحكومة والبرلمان، ليميط الانقلابيون اللثام عن وجوهم، ويتعهدوا، كسابقيهم، بتحقيق الديمقراطية ومحاربة الفساد والفقر والإرهاب والجريمة، وهو ما أعلنه العقيد آسيمي جويتا، الذي قدم نفسه على أنه رئيس «اللجنة الوطنية لإنقاذ الشعب»، وعملياً سيكون هو الحاكم الجديد، إذا صمد أمام الضغوط الدولية والإفريقية المطالبة بتحرير كيتا والعودة، دون إبطاء، إلى الشرعية الدستورية.
السياق العام الذي أحاط بالانقلاب كان متوتراً، ونتج عن أزمة سياسية واجتماعية في البلاد تفاقمت في الأسابيع الأخيرة وعجزت عن حلها وساطة المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا، بينما ظلت فرنسا الداعم القوي للبلاد والحاضرة عسكرياً في موقف المتفرج، وربما كانت تتوقع، قبل غيرها، أن تسوء الأوضاع إلى هذه الدرجة ويركب بعض العسكريين الموجة الشعبية الغاضبة ويطيحون الرئيس المنتخب. ولا شك في أن العملية الانقلابية لم ترق لمعارضي كيتا ولم يباركوها لأنهم يعرفون أن عاقبتها ديكتاتورية أو خراب البلاد بحرب أهلية.
ربما لن يكون الانقلاب هو السبيل الأجدى لإصلاح أوضاع مالي المتدهورة على جميع الصعد، والمهددة بالفوضى والجماعات الإرهابية المتمددة في أغلب دول الساحل والصحراء، والمحاطة بحزام من عوامل عدم الاستقرار ودول إفريقية هشة أمنياً واقتصادياً. وفي ضوء ذلك سيزداد وضع مالي دقة وخطورة، مما يستدعي إبقاءه تحت السيطرة وعدم التصعيد، فأي سوء تقدير من أي طرف قد يؤدي بالبلاد إلى حالة أسوأ مما كانت عليه عام 2012 عندما اندلع تمرد في شمالي البلاد متسلحاً بالمال والسلاح والمتطرفين من الفوضى التي عمت ليبيا ودمرتها تحت يافطة «الثورة».
بالنظر إلى كل هذه المعطيات، لا يمكن لمالي وكل منطقة الساحل الإفريقي أن تتحمل صراعاً جديداً تكون نتيجته انتشار مزيد من الإرهاب والجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية، وقد لا يستطيع المجتمع الدولي، المنهك بفعل فيروس كورونا، أن يفعل أكثر من توجيه النداءات والبيانات، أما اللجوء إلى سلاح العقوبات فلن يفيد، وإذا أعيد كيتا إلى قصره الرئاسي فلن يكون قوياً، وهو الضعيف والمطعون في شرعية انتخابه من جانب واسع من معارضيه الذين نظموا تظاهرات كبيرة وغير مسبوقة منذ يونيو الماضي مطالبة بإطاحته بتهمة الفساد والمحاباة.
قبل كل ما سبق وبعده، لن يحمل الانقلاب العسكري تغييراً كبيراً في مالي بسبب ضعف مؤسسة الجيش وعدم قدرتها على القيادة والسيطرة. أما القوى المدنية، فستكون في وضع أصعب، على الأرجح، وستسقط بدورها ضحية الحكم العرفي وقبضة العسكر.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"