آلام الرقبة ضريبة العصر

تحقيق: راندا جرجس

يصاب نحو 80% من الأشخاص خلال مراحل حياتهم بآلام في الفقرات العنقية، لأنها تلعب دوراً مهماً في دعم الرأس التي تزن عادة من 9 إلى 10كجم من الوزن الكلى للجسم، وتعرف بأنها الجزء العلوي من العمود الفقري، وتتكون من 7 فقرات تساعد على الحركة والدوران المستمر بسلاسة، كما تضم الحبل الشوكي المسؤول عن نقل النبضات العصبية من وإلى الدماغ، وتوصيلها للأعصاب الفرعية، وتعد آلام الرقبة من أكثر المشكلات شيوعاً في السنوات الأخيرة، نتيجة الجلوس لساعات مستمرة في القيادة والعمل واستخدام الأجهزة التكنولوجية الحديثة؛ حيث أشارت الدراسات إلى أن ثني الرقبة وانحناء الرأس للأمام لأكثر من 15 درجة يومياً وقتاً طويلاً، يمكن أن يؤذي الفقرات العنقية والعضلات.

يقول الدكتور باسل الشريف استشاري جراحة العظام والعمود الفقري إن الرقبة جزء من الجسم يصل الرأس إلى الكتف والصدر، وهي بداية العمود الفقري والحبل الشوكي، وتوجد بها عضلات وأنسجة تمتد من قاعدة الجمجمة إلى أعلى الظهر لتساعد في تحريكها بشكل مرن، وتعمل على ثني الرأس بسلاسة والمساعدة في التنفس، وتتكون من 7 فقرات صغيرة، تنقسم إلى جزأين مختلفين تشريحياً ووظيفياً، تشترك هذه الأجزاء معاً لإنتاج الدوران والانثناء الجانبي وتمديد العنق، وتعمل على توفير الحركة والاستقرار للرأس، كما تحمي النخاع الشوكي والأعصاب التي تحمل المعلومات الحسية والحركية من الدماغ إلى الجسم.
مشكلات شائعة
يذكر د.باسل أن آلام الرقبة يمكن أن تحدث نتيجة عدد من الاضطرابات والأمراض، وتستهدف أي من الأنسجة الموجودة في هذه المنطقة، وهناك بعض الحالات الشائعة التي يشكو منها المرضى مثل: أمراض القرص التنكسية، إجهاد الرقبة، هشاشة العظام، داء الفقار العنقي، تضيق العمود الفقري، إصابة الرقبة بالانزلاق الغضروفي، أو أمراض الأعصاب والرباط، وتعتبر العوامل الأكثر خطورة الناتجة عن ممارسة الرياضات التلامسية، وحوادث السيارات وما إلى ذلك.
يضيف: هناك العديد من المسببات الأخرى التي ينجم عنها الشعور بآلام في الرقبة، كالتهاب المفاصل الفقاري في الوجه، فتق أو انتفاخ القرص، عدوى القرص أو المعروف باسم التهاب الفقار، الكسور، ألم العضلات، والتشوهات مثل الحداب وعنق البجعة، وكذلك الجراحة الفاشلة، إصابات في الرباط، تضيق القناة الشوكية.
تصلب وتيبس
يوضح الدكتور هيلول كانتي استشاري جراحة المخ والأعصاب، أن تصلب الرقبة حالة شائعة تصيب جميع الأعمار، وخاصة كبار السن، ويمكن أن تحدث خلال القيام بأنشطة الحياة اليومية، بسبب الاستخدام غير السليم لفقرات الرقبة، أو أثناء قيادة السيارة أو بعد رفع الأحمال الثقيلة، وربما ينجم التصلب عن بعض المشكلات المرضية الأخرى مثل انفتاق القرص أو بسبب الحالات الخطِرة التي تؤثر في العمود الفقري العنقي، مثل الأورام أو الصدمة، وفي معظم الحالات يشعر المريض بآلام في هذه المنطقة، على الرغم من اختفائها في غضون أسابيع قليلة، فإنها يمكن أن تتكرر بسبب القيام بنشاط غير معتاد يشمل الرقبة، ويتم تشخيص التصلب العنقي أثناء الكشف السريري؛ حيث يكون المريض غير قادر على القيام بالحركات الطبيعية عند تحريك الرقبة، مثل الانحناء للأمام، أو للخلف، أو الجانبية أو الإيماء.
تطور المضاعفات
يؤكد د.هيلول، أن تصلب أو تيبس فقرات الرقبة غير ضار، لكن تزداد خطورته عندما يترافق مع انفتاق القرص العنقي، أو الأورام التي تؤثر في العمود الفقري العنقي، ونادراً ما يمكن أن يكون السبب التهابات العمود الفقري العنقي مثل السل أو الخراج، وعندما يرتبط تصلب الرقبة بارتفاع درجة الحرارة الشديد والصداع والنعاس، فربما يكون بمثابة دلالة على الإصابة بحمى الدماغ أو التهاب السحايا التي تعتبر من الحالات الطبية الطارئة، ويعتمد علاج تصلب الفقرات العنقية على مدى تطور الأعراض وتاريخ المرض وتأثيره في أعضاء الجسم، مثل ازدياد الآلام ليلاً، الحمى، ضعف الأطراف، آلام اليدين، ووجود أورام خبيثة.
أعراض الإصابة
يبين الدكتور يوغيش آغراوال أخصائي جراحة العظام، أن الشعور بألم شديد في فقرات العنق من أكثر الدلالات التي تنبىء بوجود مشكلة في الرقبة، وخاصة عندما يتكرر ويستمر هذا الألم، مع تفاقمه بشكل حاد في بعض الأحيان، وكذلك امتداده إلى أجزاء مختلفة مثل الكتف والذراع مع إحساس المريض بالوخز الذي يصل لأعلى اليد، وأيضاً منطقة خلف الصدر ووصولاً إلى الكتف الذي يعتبر من العلامات الأكثر شيوعاً، كما يمكن أن يمتد الألم إلى فروة الرأس ومقلتي العين، ويرافقه الصداع، وربما يصاب بعض المرضى بالدوخة والدوار.
فحوص واختبارات
يشير د.يوغيش، إلى أن تشخيص مشكلات الرقبة من خلال تقييم عام للحالة أثناء الكشف السريري، يشمل تاريخ ونوع الألم بشكل مفصل، إضافة إلى فحص ودراسة جميع الأعراض المرتبطة بألم الرقبة، وكذلك تصوير بالأشعة السينية للتعرف إلى حالة الفقرات العنقية، ويتطلب في بعض الأحيان اختبارات أخرى ذات صلة لاستبعاد أي مشكلات مرضية أخرى تتعلق بالقلب، أو الكتف المتجمد وغيرها، وفي الحالات الحادة التي يكون فيها الألم مستعصياً، ينبغي عمل التصوير بالرنين المغناطيسي للعمود الفقري قبل التخطيط لأي إجراء مثل الجراحة.
مخاطر متعددة
ينبه د.يوغيش إلى أن المضاعفات الأكثر شيوعاً لألم الرقبة الناجمة عن انحلال الفقرات العنقية هي الأعراض المؤثرة المستمرة لفترة طويلة، وتتسبب في عدم إمكانية ممارسة الأنشطة اليومية، ففي بعض الأحيان، يمكن أن يصاب المريض بضعف في الذراع أو اليد ويكون ناجماً عن ضغط شديد على الأعصاب، ونادراً ما تظهر مضاعفات أو مخاطر أخرى نتيجة الضغط على الحبل الشوكي في الحالات المزمنة على المدى الطويل.
طرق وقائية
يلفت د.يوغيش إلى أن الوقاية من آلام الرقبة تتضمن تصحيح وضعيات الجسم الخاطئة في الأنشطة التي يمارسها الشخص في حياته اليومية، وعند الجلوس في المكتب، أو مشاهدة التلفاز، أو استخدام الهاتف الذكي، والقيادة الطويلة، وأثناء النوم، ويمكن التعود على وضعيات صحيحة أثناء الجلوس والوقوف، ومن خلال التمرن على تقوية العضلات؛ حيث يحتاج الإنسان إلى ممارسة كافة أنشطة عضلات الجذع، ويفضل القيام بهذه التمارين في صالة الألعاب الرياضية، كما يفضل عمل تعديلات في مكان العمل أيضاً، بما يتيح الجلوس بشكل مريح، ويجب النوم بشكل صحي باستخدام فراش ثابت، ليس رخواً أو قابلاً للطي، وأن تكون الوسادة رقيقة وناعمة.

تمارين الاستطالة
يعد العلاج الفيزيائي أو الطبيعي من أهم المراحل العلاجية التي تسهم بشكل كبير في التخلص من آلام الرقبة، كما يساعد في الحفاظ على مرونة وقوة العضلات وحركتها بشكل سليم، وتفادي انحرافات وإصابات العمود الفقري، وأشارت عدد من الدراسات إلى أن الجمع بين تمارين التقوية والاستطالة، يعود بفائدة كبيرة لعلاج مشكلات وآلام الرقبة بما يتناسب مع حالة كل مريض، كما توجد طرق مختلفة لمواجهة آفات الفقرات العنقية؛ حيث أن جهاز الذبذبات الكهربائية يعمل على تخفيف الألم، ويقوم جهاز الموجات فوق الصوتية بتحفيز عملية إرخاء الغشاء الليفي العضلي، أما جهاز جر الرقبة فهو يخفف الضغط على فقرات العنق.