إدمان العمل يدمر العلاقات الأسرية والاجتماعية

01:18 صباحا
قراءة 6 دقائق



يعد العمل قيمة كبرى في حياة البشر، والتي يتحدد من خلالها مكانة الشخص في المجتمع، والمعادلة التي يعرفها الجميع أنه كلما بذل المرء جهداً في عمله قابله وجود نجاح، سواء كان هذا النجاح مادياً أم معنوياً.
يتجاوز البعض المجهود الطبيعي في العمل الذي يقوم به، حتى أنه يطغى على ما سواه من أنشطة وعلاقات اجتماعية، وهو ما اصطلح على تسميته بالإدمان على العمل.

يعرّف الباحثون والخبراء هذا النوع من الإدمان بإنه انهماك الشخص في العمل من غير أن يتوقف أو يشعر بالملل، والذي يصل لدى البعض إلى أنه لا يشعر بالراحة إلا عند ممارسته.
يشير تعريف آخر إلى أن حياة المدمن على العمل تدور بالكامل حول عمله، وهو ما يؤثر في علاقاته وحياته الشخصية.
نتناول في هذا الموضوع مرض إدمان العمل بكل تفاصيله، مع بيان العوامل والأسباب التي تؤدي إلى ذلك، وأعراضه وطرق الوقاية منه، وأساليب علاجه المتبعة والحديثة.
أضرار كثيرة
يمكن أن يصنف البعض إدمان العمل بأنه إدمان إيجابي، وبخاصة أن كلمة إدمان دائماً ما تحمل المعنى السلبي، ولكن يجب الانتباه إلى أنه على الرغم مما يظنه البعض من فوائد تعود على المصاب بهذا النوع، فإن هناك كثيراً من الأضرار الأخرى.
يجب التفريق بين جدية العمل وإدمان العمل؛ لأن القاعدة الصحيحة تقول: إن الشيء إذا زاد على حده انقلب إلى ضده، وإدمان العمل؛ يتسبب في آثار سلبية عديدة على المصاب.
تتأثر حياة المصاب بهذا النوع من الإدمان، وبخاصة علاقاته الأسرية والاجتماعية، كما أنه يكون عرضة بصورة كبيرة للإصابة بالأمراض النفسية والجسدية؛ نتيجة ضغط العمل.
يعتمد علاج إدمان العمل على مجموعة من النصائح التي يوجهها الأطباء والأخصائيون النفسيون، والتي تهدف إلى كسر هذه الحالة.
شاغله الأول والأخير
تتوافر مجموعة من العلامات التي تدل على الإصابة بإدمان العمل، ونستطيع تلخيصها بعبارة تركيز الفرد اهتمامه على العمل، فيصير شاغله الأول والأخير حتى في الأوقات الخاصة؛ كوقت الأكل أو قبل النوم. تشمل أعراض هذه الحالة عدم قدرة المصاب على الاسترخاء أغلب الأحيان، مع شكوى مستمرة من كثرة الأعباء، وعدم وجود وقت للراحة.
يقضي هذا الشخص وقتاً في العمل أكثر من الآخرين، أو بصفة عامة أكثر مما هو مطلوب منه، وعندما لا يتمكن من القيام بعمل ما يصاب بالتوتر.
يصاب المدمن على العمل كذلك بالتوتر؛ بل يصبح عدوانياً عندما يحاول أحدهم جذب انتباهه وهو يقوم بعمل ما، وعندما يشعر بالذنب أو الكآبة فإنه يعوض ذلك بالعمل.
لا تفويض للمهمات
يتذمر المدمن على العمل من فكرة تفويض المهمات والمسؤوليات للآخرين تحت دعوى أنهم ليسوا أهلاً لذلك، ويسيطر عليه شعور أنه أقدر منهم أو أنهم أضعف منه.
يجد صعوبة في رؤية ذاته على حقيقتها، مع سيطرة شعور عليه بأنه يجب أن يقوم بمهمات معينة على الرغم من عدم الرغبة في إنجازها.
يتعود على أن ينفذ ما هو متوقع من دون معرفة هل هناك حاجة أو ضرورة لذلك أم لا؟، كما أنه يذعن بشكل دائم لرؤسائه ومديريه.
يأخذ برأي الآخرين كمقياس لتقدير الذات، ويمتد ذلك في العمل والمجالات الأخرى في الحياة، ويعاني المدمن على العمل في مرحلة ما شللاً عاطفياً. يميل المصاب بهذه الحالة إلى أن يستكمل مهمات العمل في وقت الإجازة، ولا تكون لديه أي رغبة في المشاركة في أي نشاط اجتماعي، كما أنه لا يتواصل بشكل كافٍ مع أصدقائه وأقاربه.
العمل الشاق
يترتب على إدمان العمل إهمال المدمن لأوقات الوجبات، ورفضه الحصول على أيام الإجازات، وتحمل مهام تفوق طاقته، والتأثير السلبي على صحته.
يهمل المدمن على العمل أسرته، وهو ما يتسبب في كثرة الخلافات، ولا يمارس أي نشاط خارج نطاق العمل، كإحدى الهوايات أو كنوع من الرياضة.
ترجع الإصابة بإدمان العمل إلى الرأي المنتشر في مجتمعاتنا المعاصرة، بأن الضمان المادي والحياة الراغدة لا يمكن توافرهما إلا بالعمل الشاق.
يحذر الأطباء والأخصائيون النفسيون بأن هذه الفكرة، تجعل الكثيرين يشعرون بأنهم إذا قضوا وقتاً أطول في العمل، فإن أداءهم سيصبح أفضل، وبالتالي يحصلون على التعويض المطلوب.
يسيطر على المدمن تصور أنه لن يتمكن من تحقيق النجاح في شيء آخر غير العمل، ويترتب في كثير من الحالات عدم نجاحه في أي شيء آخر، مع الشعور الذي يمنحه الإفراط في العمل على الاستمرار على ما هو عليه.
من دون هدف
يضاف إلى ما سبق أن وجود نوع من التنافس في بيئة العمل، وبخاصة لدى الرجال، يساعد على الإصابة بهذه الحالة؛ لأن المدمن يمتلك انطباعاً جيداً عندما يعمل فترة أطول من زملائه.
يؤكد مع ذلك خبراء علم النفس أنه ليس هناك أي شيء مشترك بين إدمان العمل والاجتهاد والسعي لتحقيق الهدف أو العمل الشاق؛ لأن هذه الخصائص تعد مرادفة للإنتاج والفاعلية، لكن الإدمان على العمل يدمر كل ما يتعلق بحياة المصاب.
يعمل المدمن لمجرد العمل من دون هدف، في الوقت الذي يعمل الإنسان الطبيعي بقسوة وهمة عالية حتى يحقق أهدافه، مع المحافظة على توازن وفاعلية حياته.
جسدية ونفسية
يتسبب إدمان العمل في العديد من الأضرار، والتي تبدأ بنقص التركيز مروراً بالوسواس القهري وانتهاء بإحدى مراحل الاكتئاب، وبصفة عامة فإن متاعب هذا الإدمان تشمل الناحيتين الجسدية والنفسية.
تعد أول الآثار السلبية لهـــــذه الحالة توتر عـــــــلاقـــــــــات المصـــــاب، والــــــــذي يرجـــــــع إلـــى أن تركيزه طوال الوقت ينصب على إنجاز العـــــمل، وينسى بسبب ذلك أي علـــاقات مهمة، وتتأثر عـــــــــلاقته بزوجــــته وأبنائـــــه في البداية، ومــن ثم يمتد التأثير للعلاقات العائلية ثم دائرة الأصدقاء.
تشمل المتاعب الصحية التي يعانيها المدمن على العمل صداعاً مزمناً، واضطرابات في النوم، واضطرابات في المعدة، إضافة إلى الإرهاق المزمن.
المراحل المتأخرة
تزداد خطورة المتاعب الصحية في مراحل إدمان العمل المتأخرة، فيعاني المدمن نتيجة ضغط العمل عليه ارتفاع ضغط الدم، واضطرابات في الوزن زيادة ونقصاناً.
تعد من أضرار إدمان العمل كذلك التأثير على جودة بيئة العمل؛ لأن المدمن يقوم بإنجاز العديد من المهام، وبشكل متقن، وبالتالي فإن مديره أو زملاءه في العمل يصابون بالتذمر أو اللامبالاة؛ لأن مهام العمل تنجز من غير الاعتماد عليهم.
يكتسب المدمن على العمل بمرور الوقت صفة التسلط، والتي ترجع لأنه دائماً ما يكون حازماً في العمل، إلا أن انتقال الحزم من محيط العمل للحياة الشخصية أو العامة؛ يتسبب في إصابته بالقلق والتوتر والضيق.
مجموعة إجراءات
ينصح الأطباء عند علاج إدمان العمل بمجموعة من الإجراءات التي يتبعها المدمن حتى يتخلص من هذه الحالة، وتبدأ بضرورة الحرص على التفاعل الاجتماعي.
يمكن أن يبدأ مع من يرتاح إليهم من أصدقاء وأقارب، ولابد أن يلتزم المدمن باقتطاع جزء من وقته، حتى لو اكتفى بمكالمة تليفون أو رسالة على البريد الإلكتروني؛ وذلك حتى لا يغرق مجدداً في دائرة العمل.
يجب أن يحرص المصاب على الحصول عــــلى فــــــترات راحـــــة، حتــــــى لو كانت بســـــيطة وقليلة، ومن الضروري أن يخرج فيها من جو العمل، فمثلاً يذهب إلى مكتب زميل آخر، أو يجري مكالمة تليفونية مع شخص يرتاح إليه، وهكذا.
خروج تدريجي
ينبغي الحرص كذلك على الاطمئنان على الصحة العامة؛ وذلك بإجراء قياس دوري للعلامات الحيوية، كضغط الدم والوزن، مع ضرورة الالتزام بنظام غذائي ورياضي، ويكون قابلاً للتنفيذ.
يمكن أن يعود المدمن على العمل نفسه الخروج التدريجي من سيطرة هذا الإدمان؛ وذلك من خلال تخصيص جزء من الوقت يومياً في ممارسة الرياضة أو القراءة.
يوصي بعض الأخصائيين والخبراء بالحرص على النواحي الروحية والدينية، وعلى سبيل المثال فإن الصلاة في وقتها ربما كانت عاملاً مساعداً على علاج إدمان العمل.

الأعمال الإدراية

حذر الباحثون من أن إدمان العمل يزيد من خطورة الإصابة بالاضطرابات النفسية، وأشارت الدراسة التي نشرها باحثون نرويجيون إلى أن المدمن على العمل يكون عرضة بشكل أكبر للقلق والاكتئاب والوسواس القهري.
خضع لهذه الدراسة نحو 16 ألفاً يبلغ متوسط أعمارهم 35 عاماً؛ حيث تمت متابعة آثار إدمان العمل على الحياة الشخصية، ومدى ارتباطه بالإصابة بالاضطرابات النفسية.
وجد القائمون على الدراسة أن مدمني العمل كانوا أكثر عرضة للإصابة بالاضطرابات النفسية بأكثر من 30% مقارنة بنحو 12% من غير المدمنين.
بلغ معدل الإصابة بالوسواس القهري نحو 25% مقابل 8% من غير المدمنين، كما بلغ معدل الإصابة بالقلق 33%، في حين أن المعدل في غير المدمنين 11%، وبلغ معدل الإصابة بالاكتئاب بين مدمني العمل 8% مقابل 2% بين غير المدمنين.
ذكرت الدراسة أن الإصابة بإدمان العمل كانت أعلى بين من يقومون بأعمال إدارية، ومن يعملون في القطاع الخاص، وأخيراً من يعملون لحسابهم الخاص.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"