ليبيا.. «فرحة ما تمّتْ»

03:42 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود حسونة

كلما لاح في الأفق الليبي بصيص أمل في إمكانية الخروج من مستنقع القتل، والخراب، والفساد، والفوضى، استجدت أحداث تؤكد أن المشهد الليبي أصبح شديد التعقيد، وأن الحل لن يكون بمجرد الإعلان عن وقف لإطلاق النار، حتى إن كان هذا الإعلان نشر حالة من الفرح والأمل بين أبناء الشعب الليبي الحالمين بالأمان، والسلام، بل وبين شعوب، ورؤساء، وحكومات دول عدة، عبروا عن ذلك بأساليب مختلفة فور إعلان كل من عقيلة صالح، وفائز السراج، عن بيانيهما للاتفاق على وقف إطلاق النار، واتخاذ الإجراءات التي تعيد للشعب الليبي توحده، وأمنهن وأمانه، وقراره، ولكنها للأسف «فرحة ما تمت»، أخذها غراب الفساد والتسلط وطار، ليبددها، ويكرس خراباً غير معروف منتهاه.
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي كان شديد الدقة في اختياره لكلماته التي عبّر من خلالها عن موقفه، وموقف بلاده، عندما وصف اتفاق وقف النار ب«خطوة مهمة على طريق تحقيق التسوية السياسية وطموحات الشعب الليبي في استعادة الاستقرار والازدهار»؛ نعم، خطوة على طريق طويل، وطريق الألف ميل كنّا نتمناه أن يكون بدأ بهذه الخطوة، فإذا كان الإعلان مهماً فإن الخطوات التي تحوّله إلى واقع هي الأهم، والأصعب، والتي تستلزم ليس اتفاق السراج وعقيلة صالح فقط، إنما اتفاق جميع الأطراف التي تدخلت، وتشابكت مصالحها.
الماضي والحاضر يقولان لنا إن استباحة القوى الخارجية لأي أرض لا ينتج عنه سوى أزمات تستلزم الكثير من الوقت، والجهد، والتنازلات، كي تجد طريقاً إلى الحل، وكلما تعددت الدول المتدخلة كلما تعقّد المشهد، وكان الحل صعباً، ونظرة إلى ما يحدث في سوريا، وسلسلة المؤتمرات التي عقدت بشأنها في جنيف، وأستانا، وسوتشي، وفيينا، وغيرها، تؤكد أن الحل في ليبيا لن يكون بسهولة كلمات البيانين.
بعد ساعات من إعلان الاتفاق، تقاطعت أنباء الترحيب به مع أنباء عن تحشيد لميليشيات الوفاق حول سرت، وتحريك تركيا لقوات بحرية تجاهها، ما تقاطع أيضاً مع أنباء عن تظاهرات غضب في الزاوية، وطرابلس، ومصراتة، وغيرها من مدن الغرب، بعد أن طفح كيل الناس من الحياة من دون كهرباء، ولا ماء، ولا خدمات، وبعد أن تأخر صرف مرتبات الموظفين أشهراً، وبعد تقليص مرتبات البعض منهم، وبعد التأخر في دفع أجور المرتزقة الذين قرروا أخذ حقوقهم «بالذراع» من الأهالي، فاقتحموا البيوت على أهلها، ونهبوا ما لديهم من مقتنيات، وأموال.
ليس مستغرباً أن يطالب المتظاهرون بتنحي السراج، وأركان حكمه غير الشرعي، بعد إدراكهم أن اتفاق وقف إطلاق النار جاء بعدما فقدت حكومة الوفاق كلمتها، وسطوتها، وسلطتها على أراضيها، وبعد أن سلمت زمام الأمور لتركيا، وبعد أن جلبت تركيا إليها ١٨ ألف مرتزق سوري، و١٠ آلاف مرتزق من جنسيات أخرى، وبعد أن نقلت السلاح، ودرّبت المرتزقة، وهدّدت، وتوعّدت، وأعلنت عن قاعدة بحرية لها، واستعدّت للاستيلاء على قاعدة جوية، وحلمت بقواعد برية، وبعد أن أوحت، وأفصحت أن القرار الليبي يتخذ في أنقرة، وينفذ على الليبيين في طرابلس.
مشهد من الفوضى المرعبة، وجوع ينتشر بين شعب تطفو بلاده على بحيرات من البترول، وترقد في قاع بحره ممتد الشواطئ ثروات وخيرات يطمع فيها البعيدون عن حدوده، والطامحون إلى العودة لاستعماره.
من الواضح أن حكومة الغرب قد قبلت باتفاق لوقف إطلاق النار بعد أن فقدت السيطرة، وبعد أن أغضبت أهل الداخل، وخلقت لهم أزمات عدة، ومكّنت الخارج من القرار، وتركت له حق التحكم في البلاد، والعباد، وبعد أن تنافرت المصالح بين الميليشيات الليبية المسلحة، والمرتزقة، وأصبح كل منهم يسعى لأن يكون صاحب الكلمة على الأرض، ما خلق حالات من التشابك والتلاسن، تطورت إلى معارك، خصوصاً أن لكل مطامعه القريبة، والبعيدة المدى.
كي يصبح وقف إطلاق النار واقعاً، وكي يتم تمهيد الأرض لإجراء انتخابات نيابية، ورئاسية، فإن الأمر يستلزم أولاً التخلي عن المطامع الذاتية والأنانية التي وضعت البلد في دوامة من الصراعات القبلية، والجهوية، على مدى السنوات التسع الماضية.
السلام في ليبيا حلم يستلزم إرادة شعبية، تلفظ كل من تاجر بمقدرات البلاد، وجلب لها المستعمر، والطامع، ما يفرض خطوات وخطوات قاسية وصعبة أحياناً، ولكن من دونها لا سلام، ولا أمان، ولا طمأنينة، لا في ليبيا، ولا في الإقليم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"