مصر تواجه أباطرة الفساد

04:10 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود حسونة


ملامحها تغيرت وستتغير، فقد أصبحت مصر اليوم تختلف عن مصر الأمس، ونتمناها في الغد أكثر اختلافاً، بما يعيد إليها رونقها الحضاري، وريادتها التاريخية. التغيير الذي حدث يقر به من يعيش فيها، ويلحظه العائد إليها بعد غياب، والزائر الذي يكرر زياراته لها، وتؤكده المنظمات الدولية والمؤشرات الاقتصادية المعنية بالمراقبة وبالتصنيف والتقييم.
لا يخفى على أحد أن مصر الأمس كانت تغط في سبات عميق، وغرقت في بئر من الفساد، ظن كثيرون معه بصعوبة انتشالها منه؛ لكن بالإرادة والعزيمة والقرار؛ أثبتت أنها تستطيع فعل الكثير؛ بل إنها فعلت وخرجت من البئر، وبدأت تستعيد ذاتها المفقودة، ومكانتها الضائعة.
مصر اليوم تبني وتعمّر وتشيد المدن، وتزرع الصحراء، وتبهر العالم بشبكة طرق عالمية، جعلتها تقفز 90 مركزاً في مؤشر جودة الطرق خلال خمس سنوات ضمن مؤشرات التنافسية العالمية، من المركز 118 عالمياً إلى المركز 28.
هي اليوم تخوض معركة كبرى ضد الفساد الذي نخر في مؤسساتها سنوات وسنوات، حتى جاء اليوم الذي يقول فيه صانع القرار، وبصوت عالٍ أمام العالم كله «كفى فساداً»، وخلال افتتاحه مؤخراً لعدد من المشروعات القومية بالإسكندرية، تحدث الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بغضب وحسم، مطالباً أي مسؤول تنفيذي أو أمني غير قادر على مواجهة أباطرة الفساد المتعدين على أراضي الدولة والمرتكبين لمخالفات البناء على الأراضي الزراعية أن يتنحى ويترك موقعه لمن يستطيع، قائلاً: «نريد من المسؤولين أن يكونوا رجالاً أو أن يتركوا مناصبهم».
حرب مصر على الفساد بدأت إرهاصاتها مبكراً؛ بعد أن كشفت الرقابة الإدارية عن العديد من المسؤولين المرتشين، الذين تم اعتقالهم علانية من دون اعتبار لمواقعهم، وبعضهم يقضي عقوبته حالياً خلف القضبان، والبعض لا يزال قيد المحاكمة.
مصر الجديدة، لن تقبل بمتقاعس في موقع مسؤولية، ولن تقبل بتغول فاسد على حساب حقوق الدولة، ولن تقبل أن تبيع الوهم لمواطنيها على حد تعبير الرئيس الذي وعد بأن يغيرها، وها هو يعيش معارك التغيير منذ تحمله المسؤولية؛ حيث خاض ولا يزال معركة كبرى ضد الإرهاب وصنّاعه ومموليه ومنظريه، معركة تتبع الجميع فصولها ويومياتها، وذرفت مصر الدموع على شهدائها الأبطال، وصفقت لانتصاراتها المتكررة والماحقة للإرهابيين سواء في سيناء أو في الغرب أو في أي بقعة على أرض المحروسة، وخاضت معارك ضد الطامعين فيها، وفِي المنطقة، الساعين لإحياء استعمار اندثر ومات منذ أكثر من 100 عام، وخاضت معارك ضد المتربصين بها والمنزعجين من انتصاراتها في مختلف الميادين، وكانت ولا تزال تخوض معارك ضد المشككين في إنجازاتها، ممن أصابهم العمى عن حقائق أقر بها العالم؛ لكن لأنهم فقدوا البصيرة، لن يستطيعوا بالبصر القاصر سوى التشكيك والصراخ بصوت عالٍ لعل أحداً يسمعهم؛ بعد أن فقدوا رصيدهم إلا من قلة لا تختلف عنهم حقداً وضغينةً وخيبة أمل.
بعد الخطوات المهمة التي حققتها مصر في معاركها، جاء وقت إطلاق معركة محاربة الفساد، والتي لا تقل خطورة عن محاربة الإرهاب، فالفساد والإرهاب وجهان لعملة واحدة، الأول يستهدف ترويع الناس وسلبهم الأمن والأمان ونشر الفوضى، والثاني يستهدف سرقة حقوقهم والسطو على خيرات البلاد ونشر الفلتان؛ ليظل الناس في حالة عوز، وهو ما يفقدهم أيضاً الإحساس بالأمان.
مصر اليوم، تفعل الكثير أملاً في أن تخط اسمها على قوائم الدول التي يتسيد فيها القانون، ولا يفرق بين غني وفقير أو وزير وغفير، ولعله ليس خفياً أن الحرب ضد الفساد تستهدف أباطرة المال الفاسد والسلطة الزائفة.
كلام السيسي واضح وغضبه معلن وإرادته لا تلين، ولعله كان أكثر غضباً؛ بعد أن تحدث كثيراً وعلى مدار سنوات مضت عن ضرورة وقف التعدي على أراضي الدولة، وضرورة الالتزام بشروط البناء، وضرورة أن يكون الجميع تحت مظلة القانون.
قد يكون تطبيق القانون مزعجاً للبعض، ولكن المهم أن تتحول مصر فعلاً وقولاً إلى دولة تحاكم من يسيئون ويشوهون ويحتالون أياً كانت سطوتهم، وأن لا يفرق مطبق القانون بين مواطن وآخر، وأن يكون الناس جميعاً سواسية أمامه؛ ووقتها سيحرص الجميع على دولة القانون، وسيلتف الناس حول السلطة التي أعادت للقانون تسيده.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"